لقد أثبتت محاولات رئيس حكومة رام الله، محمد اشتية للانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي فشلها الذريع، وأظهرت مدى هيمنة الاحتلال على موارد الاقتصاد الفلسطيني وتحكمه في المعابر، وقد تجلى ذلك مؤخرًا في رجحان كفة الميزان التجاري لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
وإزاء ذلك طالب مراقبون اقتصاديون بالضغط على الاحتلال دوليًّا للتخلص من اتفاقية باريس الاقتصادية التي شوهت الاقتصاد الفلسطيني أو على الأقل تعديل بنودها بما يخدم الفلسطينيين، وتوسيع آفاق التعاون التجاري بين فلسطين والعالم الخارجي خاصة في المحروقات والمواد الإنشائية التي تسجل أعلى السلع المستوردة من السوق الإسرائيلية، إلى جانب تعزيز المنتج المحلي وإحلاله مكان المستورد الإسرائيلي.
وفق بيانات التجارة الخارجية سجلت فلسطين عجزًا تجاريًا مع الاحتلال بقيمة 202.5 مليون دولار، خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، بزيادة نسبتها 5.8% مقارنة مع يناير 2021.
ويوضح أستاذ الاقتصاد د. نور الدين أبو الرب، أن الاحتلال الإسرائيلي نجح إلى حد كبير في فرض قيوده على الاقتصاد الفلسطيني وجعله تابعًا له وقيده باتفاقية باريس، كما فرض عقبات أمام المنتجين والمصدرين الفلسطينيين لقطع الطريق على أي محاولات للخروج من الهيمنة الإسرائيلية.
وأضاف أبو الرب لصحيفة "فلسطين" أن الفلسطينيين يعتمدون على شراء المحروقات، والكهرباء والمياه والمواد الإنشائية بدرجة كبيرة جدًا من الاحتلال الإسرائيلي، في حين أن الاحتلال يمنع أي محاولات فلسطينية لشراء تلك الخدمات والسلع من الدول العربية والإقليمية.
وبين أبو الرُب أن هدف الاحتلال من تقويض أي محاولة للخروج من عباءته الاقتصادية إضعاف الموقف السياسي الفلسطيني، قائلًا: "لقد شهدنا محاولات فاشلة لرئيس حكومة رام الله محمد اشتية للانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، وما قابل الاحتلال ذلك من ردود مضادة اقتصاديًّا وسياسيًّا".
وأضاف: "لا شك أن الاحتلال نجح إلى حد كبير في إحداث حالة غليان لدى التجار الفلسطينيين والمستوردين الذين وجدوا أن قرارات حكومة رام الله تضرب مصالحهم التجارية".
من جهته، أوضح الاختصاصي الاقتصادي د.هيثم دراغمة أن 68% من الاستيراد الخارجي للسوق الفلسطيني يأتي من الاحتلال الإسرائيلي، بيد أن الصادرات الفلسطينية تقتصر على بعض الأثاث والملابس والخضراوات وهي لا تشكل نسبة كبيرة في الميزان لتجاري.
وبين دراغمة لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على المعابر في الضفة الغربية وقطاع غزة وبالتالي هو الذي يتحكم بالصادرات والواردات، مبينًا أن الاحتلال يغدق الأسواق الفلسطينية بطريقة رسمية أو عبر المستوطنات بالسلع التي لا تجد لها سوقًا خارجيًا.
وأشار دراغمة إلى أن الاحتلال يسمح للفلسطينيين بالتجارة الخارجية مع بعض الدول العربية كمصر والأردن على مضض لأنه يريد أن يحافظ على العلاقة السياسية مع تلكما الدولتين.
من جهته أكد الاختصاصي الاقتصادي د.وليد الجدي، أن العجز التجاري سيظل لمصلحة الاحتلال ما دام يفتقر صانع القرار الفلسطيني إلى خطة ممنهجة تستهدف الارتقاء بالإنتاج الوطني وتقديم كل ما يمكن له وحمايته من المستورد.
وبين الجدي لصحيفة "فلسطين" أن على السلطة أن تخصص جزءًا من الموازنة العامة لمصلحة تدعيم الإنتاج الوطني، وأن تنشئ مناطق صناعية وتنظم القائمة وتدعمها جميعًا ببنية تحتية وشبكة كهرباء، وإعطاء إنتاجها حصة كبيرة في السوق المحلي.
وانتقد الجدي سابقًا تنفيذ المانحين مشاريع إغاثية طارئية أو مشاريع تشغيل مؤقتة، في حين أن المجتمع الفلسطيني بأمس الحاجة إلى هذه الأموال لإقامة مصانع لتغطية احتياج السوق بالاحتياج، وتوفير فرص عمل للحد من معدلات البطالة.
ومع ذلك شدد الجدي على ضرورة إلزام المصانع المحلية المواصفات والمقاييس المعتمدة، وذلك بتفعيل المؤسسة الخاصة بذلك وتزوديها بالأجهزة والمعدات اللازمة لعملها.