يسود القلق والإرباك داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مع اقتراب شهر رمضان المبارك الذي يأتي في ظروف "ساخنة وحرجة" نتيجة سياسات الاحتلال العدوانية واندلاع المواجهات في الداخل المحتل بعد قيام الاحتلال باستهداف أهلنا في النقب من خلال: التجريف، ومصادرة الأراضي، وتفكيك وعزل القرى، وإقامة مشاريع يهودية، والاعتداء على السكان، واعتقال كل من يعارض سياسات الاحتلال، والتهديد بفرض الغرامات والتلويح بمزيد من العقوبات، الأمر الذي رفع مستوى التوتر في تلك المنطقة وزاد من حالة السخط والغضب على الاحتلال ليتطور إلى اشتباكات مباشرة مع الجنود والمستوطنين نتيجة رفض أهالي النقب الرضوخ لهذا الواقع أو الاستسلام لمشاريع الاحتلال، وهذا ما جعل استعدادهم للتضحية والمواجهة أكثر حدة في مواجهة الاحتلال.
وقد جاء هذا الاستعداد أيضا في ظل اندلاع المواجهة مع الاحتلال خلال معركة "سيف القدس" والتي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غزة دفاعا عن القدس والاقصى واستجابة لدعوات أهلنا في حي الشيخ جراح والذين كانوا يتعرضون لعدوان إرهابي منظم من قبل الجنود والمستوطنين، ليتجلى ذلك من خلال الهبة التي أطلقها أهلنا في الداخل اسنادا للقدس والاقصى وانتصارا للمقاومة في غزة، والتي كانت إحدى أهم التحولات النوعية في المعركة بعد أن نجح أهلنا في الداخل المحتل من ارباك الاحتلال واشغاله والضغط عليه في كافة المناطق والاشتباك مع جنوده ومستوطنيه بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أثار الرعب لدى: المستوى السياسي، والأمني الإسرائيلي، واعتبر بعضهم أن الاحتلال يواجه تحديات ومخاطر في الداخل صعبة وخطيرة، واخرين اعتبروا أن الاحتلال يقاتل على جبهتين، وهذا ما دفعه لتعزيز قواته في مدن وقرى الداخل والاضطرار إلى نقل أعداد كبيرة من المستوطنين خشية من تعرضهم للاعتداء.
لكن الاحتلال وبعد انتهاء المعركة بدأ يشعر بعمق وحقيقة الخطر الذي يواجهه في الداخل وحاول اتخاذ العديد من الإجراءات لمحاولة بسط السيطرة ومعاقبة المشاركين ومنع تكرارها وتمثلت إجراءاته في: شن عمليات مداهمة واعتقال طالت أعدادًا كبيرة، والاعتداء بشكل وحشي على الكثير من النشطاء والفاعلين، واتخاذ إجراءات صارمة مع كل من يثبت ضلوعه في أي نشاط مساند للقدس والأقصى والمقاومة في غزة، فأصبح أهلنا في الداخل يعيشون في ظروف أكثر قسوة في ظل العدوان المنظم من الاحتلال والذي كان يهدف بشكل أساس إلى 1_معاقبتهم ومحاولة تحقيق أقصى درجة من الردع على أهلنا في الداخل، 2_نشر الخوف في أوساطهم نتيجة الإجراءات القاسية، 3_ منعهم من التضامن مع القضايا الوطنية الكبرى، 4_الفصل التام بينهم وبين باقي المناطق الفلسطينية المحتلة والحيلولة دون حدوث أي تأثر أو ارتباط مع قطاع غزة.
فجاءت عملية بئر السبع على يد الاستشهادي البطل "محمد أبو القيعان" والتي أدت لمقتل 5 إسرائيليين وإصابة آخرين بعد أن نجح في دهس بعضهم وطعن آخرين في هذه العملية، فكانت العملية ردا طبيعيا على جرائم وعدوان الاحتلال (وإنذارا ساخنا) بأن الرعب الرمضاني بدأ مبكرا في وجه العدو، الأمر الذي هز المستوى الأمني والسياسي وجعله أمام موقف صعب؛ بعد تلقيه هذه الصفعة بل الصعقة والتي خلفت عدد كبير من القتلى والاصابات، وأظهرته عاجزا عن التنبؤ بوقوعها، وفاشلا في إمكانية مواجهة هذا النوع من العمليات، وغير قادر على مواجهة انتقادات المستوطنين والذين يحملون المستوى السياسي والقيادات الأمنية مسؤولية الإخفاق والفشل الذريع، على الرغم من حديثه عن رفع مستوى الاستعداد واستنفاره الدائم في تلك المناطق والتي فضحتها هذه العملية وأظهرتها بأنها مجرد وهم لا يوفر أي حماية للمستوطنين في مواجهة مخاطر وعمليات محتملة.
لذلك: فإن الاحتلال بات يدرك بأن العملية التالية على غرار عملية بئر السبع مسألة وقت وربما تكون نتائجها أكثر "فتكا وخطورة" في ظل إمكانية تأثر البعض بهذه العملية ومحاولة محاكاة طريقتها، وهذا ما دفع الاحتلال لرفع مستوى التأهب في صفوفه في تلك المناطق وتعزيز وجوده وزيادة جهده الاستخباري حول كل الأشخاص الذين كانت لهم أنشطة وفعاليات مناهضة لقواته وإبقائهم تحت المتابعة المستمرة خشية من وقوع عمليات أخرى مع اقتراب شهر رمضان المبارك، لكن ذلك لن يحقق للاحتلال الأمن المطلوب ولن يؤدي بأي شكل إلى عودة الهدوء ومنع وقوع عمليات إضافية؛ لأن السياسات العدوانية التي يمارسها الجنود والمستوطنون ستكون العامل والحافز الأبرز لاندلاع مواجهات ساخنة وبالتالي؛ وقوع عمليات قريبة وربما يتطور الأمر إلى انفجار واسع النطاق في وجه الاحتلال خلال الفترة القريبة، فشعبنا لن يقبل ولن يتعايش مع هذا الاحتلال تحت أي ظرف وسيجعل كلفة وجوده على أرض فلسطين باهظة جدا.