فلسطين أون لاين

علاقة غزة ومصر.. تحوّلٌ أم تكتيك

مرت العلاقة المصرية مع غزة بحالات من المد والجزر وفقًا للسياسات العامة والتغيرات الإقليمية، واليوم هي محور التحرك نحو خطوات عملية لتسهيل الأوضاع المعيشية في غزة والتخفيف من معاناتهم، خاصة في ظل القرارات الأخيرة التي اتخذها محمود عباس للتضييق وتشديد الحصار وتضاف للإجراءات السابقة التي يتبعها الاحتلال.


العلاقة الحمساوية المصرية الحالية وخاصة بعد جولة المباحثات المصرية الأخيرة والمباحثات الثنائية بين الجانبين والإعلان عن التسهيلات لصالح غزة، وبنفس الوقت فإن ما يحدث يوضع ضمن عدة أبعاد:


حماس حريصة على استغلال الفرصة إيجابيًا لتطوير العلاقة بين الجانبين ورفع مستوى التنسيق بينهما؛ ما يطمئن مصر لتوجهات حماس في المرحلة الحالية، ومحو ترسبات الماضي، وهذا إذا ما أضيفت له حاجة حماس للمساعدة في التخفيف عن المواطن الغزّيّ وتجنيد العلاقات الجديدة مع مصر بهذا الاتجاه.


كما أن حماس حريصة على ذلك فإن هناك مصلحة مصرية في العلاقة مع الجار في غزة لها أبعاد أمنية وسياسية واقتصادية تساعد مصر في إعادة دورها الإقليمي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية حيث تثق مصر بقدرة حماس على ضبط الأمن في غزة وعبر الحدود بين الجانبين والمساعدة في تحسين الوضع الأمني بسيناء وخاصة في حال تحسن الحركة عبر المعابر، والمردود الاقتصادي الضخم الذي سيعود على مصر وتحديدًا على الأهالي في سيناء؛ ما يشجع عددًا كبيرًا منهم على العودة لممارسة أعمالهم، وبنفس الوقت فإن مصر وحماس تستشعران خطر التشدد الفكري الذي يهدد الطرفين، وقد توصلت مصر لقناعة أن حماس تحارب الفكر المتطرف ولا تتردد في مواجهته.


يضاف لذلك أن العلاقة مع حماس ستعيد لها الدور المهم في ملفين أساسييْن؛ الأول مرتبط بالحضور المصري في القضية الفلسطينية وتقريب الفصائل والأحزاب الفلسطينية نحو برنامج للمصالحة يمكن أن يستثني عباس في مرحلة معينة، بينما الملف الأبرز هو دور مصر في صفقة تحرير الأسرى بين حماس والاحتلال وهو ما يسجل إنجازًا لمصر في حال تنفيذها وخاصة أن إرهاصات انطلاق المفاوضات غير المباشرة بدأت تظهر، وهذا يتوافق في كلتا الحالتين مع توجهات حماس.


الأمر الأكثر أهمية ويتم العمل به من فوق الطاولة وبعض الخطوات في الخفاء هو إقصاء عباس عن المشهد، حيث ترى فيه مصر أنه لم يعد قادرًا على التعاطي إيجابيًا مع توجهاتها الإقليمية، وترى أنه يقود غزة نحو الانفجار الذي يمكن أن يؤثر على مصر، وهذا يتوافق مع حماس التي يبدو أنها قد أنزلت السلم عن الشجرة التي صعد عليها عباس، وأصبحت متمسكة بموقفها القائم على أن عباس لم يعد ذا صلة ويواصل حصاره وإجراءاته تجاه غزة.


في حين يبدو المشهد الذي لا يرغب بإظهاره الطرفان علنًا، وجود دحلان خلف الباب يتبرص بمحمود عباس، وتشجعه مصر على ذلك كبديل مرغوب مصريًا أكثر من محمود عباس، لكن لم يحِن موعده بعد، بينما ترى حماس في عدوها القديم فرصة للتعاون معه للتخفيف من معاناة الغزيين، وبنفس الوقت لا ترغب بتركه على الساحة وحده، ودون أن تحجم من دوره بحيث يقصي غريمها عباس ولا يتغول عليها يومًا ما.


والجانب الأكثر فاعلية بالمعادلة هو الاحتلال الذي يلقي لعباس بطرف الحبل أنه يدعمه ويستجيب مع مطالبه في حصار غزة وترتيب العلاقة للدور المصري في المرحلة القادمة ومنع تفجر الأوضاع بغزة وعمله الدائم على إضعاف حماس وحصار غزة ومصالحه الإستراتيجية.


العلاقة في مرحلة مهمة وحساسة، يرغب الطرفان في تطويرها على الأقل تكتيكيًا في هذه المرحلة، وتعزيز المصالح والحاجة المشتركة للطرفين، بحيث لا يبدو في المشهد أن غزة تذهب في حضن مصر وتتخلى إسرائيل عن مسؤوليتها كقوة احتلال.