تعمل "الوكالة اليهودية" على مدار الساعة لتهجير آلاف اليهود من أوكرانيا إلى كيان الاحتلال في الوقت الذي تعتبره الوكالة فرصة سانحة لا بد من استثمارها حتى أقصاها، مستفيدة من الحرب المحتدمة الدائرة اليوم بين روسيا وأوكرانيا.
ومعلوم أن عشرات الآلاف من اليهود يعيشون في أوكرانيا، وهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي في البلاد في الوقت الذي يشكلون فيه التجمع الأكبر الخامس في العالم، وسبق أن هاجر الآلاف من الأوكرانيين اليهود إلى دولة الاحتلال منذ القيام غير الشرعي لهذا الكيان.
ويشكل المهاجرون المنحدرون من الكتلة الشيوعية في أوروبا، أو كما كانت تسمى بأوروبا الشرقية ومن روسيا نفسها، نسبة هامة من التكتل اليهودي في فلسطين المحتلة، تزيد على مليون ونصف مستوطن هاجر من تلك البلاد، وقد وصل إلى (تل أبيب) منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية قرابة 4500 يهودي أوكراني.
ويقول موقع "واللا" العبري إن الوكالة اليهودية تعمل جاهدة على تأسيس مقر يجمع الهيئات المشاركة في عمليات الهجرة التي تجري على قدم وساق، فهناك جمعيات عديدة تشارك في هذه المهمة ومن خلال تجنيد عشرات العمال للمساهمة في ذلك وهي الخطة المركزية التي تقوم بها الآن وزارة الهجرة من أجل تهيئة كل السُبُل للتسكين المؤقت لهؤلاء المهاجرين في الفنادق والبنايات السكنية التي يتم تجهيزها على عجل لاستيعابهم.
أما عدد اليهود الأوكرانيين فيتراوح بين 150 ألف و 200 ألف، وتبذل وزارة الهجرة في الكيان جهوداً حثيثة لاستدراج هؤلاء المهاجرين اليهود الذين تخطط الأغلبية منهم للهجرة إلى كندا أو أمريكا أو أستراليا.
ويبدو أن جهود "الوكالة اليهودية" لن تفلح كثيراً في إقناع المهاجرين للتوجه إلى (تل أبيب)، نظراً للتطورات الدرامية الساخنة التي تعيشها المنطقة في الشرق الأوسط وعلى نحو خاص المنطقة العربية وفي فلسطين المحتلة وأخبار المجازر الدموية والدمار الذي يحل بفلسطين المحتلة بين وقت وآخر دون سلم أو استقرار منذ سنوات.
وتقيم "الوكالة اليهودية" عديد المراكز داخل وحول أوكرانيا في المدن والحدود المحيطة بالدولة التي تعاني وطأة الدمار الذي حل بالبلاد، وذلك في بولندا ورومانيا والمجر ومولدوفا.
وتضيف الوكالة أنها تقوم بحجز آلاف السُرُر في فنادق الدول المجاورة وأنها أضافت إليها بلغاريا أيضاً، حيث يقيم أكثر من 4500 يهودي مهاجر إلى جانب ما يماثل ذات الرقم من الذين وصلوا إلى (تل أبيب) حتى الآن.
وهذا يذكرنا بما وُسِمَ حينذاك بـ "عملية موسى" حين تم تهجير بضعة آلاف من "الفلاشا" الإثيوبين من منطقة غوندر في شمال البلاد عبر مطار في منطقة تقع جنوب السودان عام 1984 قبل أن يقيم الجنوبيون دولتهم الخاصة بهم، وذلك في عهد الرئيس السابق جعفر النميري، وقبل الانقلاب العسكري الذي ترأسه الضابط سوار الذهب عام 1985.
ولقد سجلت "الوكالة اليهودية" أنها تعد أيضا وبالتوازي لاستقبال أكثر من 300 ألف إثيوبي جديد ونقلهم إلى الكيان الاستيطاني لتعويض النزيف الجاري للهجرة المضادة التي تعصف بالبلاد بشكل متسارع منذ أكثر من عقد ونصف حتى الآن.
المستوطنون الأوكرانيون اليهود الجدد تحاول بهم حكومة نفتالي بينيت الهشة تعديل الخلل الديموغرافي ووقف النزيف البشري الصهيوني لكيان عنصري كولنيالي تتحرك قاعدته البشرية المستوطنة بأكثر من 15% سنوياً وهذا غير مسبوق في الدول الطبيعية المستقرة الآمنة.
كما يوجد اليوم أكثر من مليون مستوطن صهيوني يحملون جواز سفر دولة الاحتلال خارج فلسطين المحتلة ولا يعودون لها، وأضحت مصالحهم ومجرى حياتهم الاقتصادية والاجتماعية بكاملها حيث يقيمون الآن وجُلهم عاد إلى بلاده الأصلية داخل دول أوروبا الغربية كما كانت تُعرف سابقاً أو في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفهم الإشارة هنا إلى أن اليهود وغيرهم من المهاجرين الذين وصلوا إلى (تل أبيب) في التسعينيات من القرن الماضي إبان تفكك الاتحاد السوفيتي السابق والذي يربو عددهم على مليون وثلاثمائة ألف قد غادر منهم ما يقارب نصف مليون على الأقل حين صدموا بحقائق "بلاد اللبن والعسل" ليجدوا حروباً ودماءً وعنصرية.
تسهيل هجرة يهود أوكرانيا إلى فلسطين المحتلة والتخطيط لاستيعاب ما يقارب المائة ألف خلال الأسابيع القادمة يأتي لتحويلهم إلى وقود بشري في معارك التوسع الاستيطاني العنصري الذي ينتشر كالفطر في القدس والضفة الفلسطينية المحتلة، ويتابع زحفه في المثلث والجليل والنقب الفلسطيني الذي يجند العدو الصهيوني اليوم عصابات مستوطنيه لتشكيل فرق مسلحة وبدعم وتسليح من جيش الاحتلال الذي يدعم خطط عضو الكنيست الصهيوني الإرهابي بن غفير واستغلال الحرب التي تمزق أوكرانيا للتوغل ولوغاً في الدم الفلسطيني في عمليات الإعدام التي أمست يومية على الأرض الفلسطينية المحتلة.
وهكذا نجد تحركات حثيثة لوكلاء جمعيات "حباد" و "نتيف" مع "الوكالة اليهودية" ووزارة ما تسمى بوزارة الاستيعاب يعملون داخل المدن الأوكرانية تماماً كما فعلت ذات "الوكالة اليهودية" والعصابات العسكرية الصهيونية الأخرى داخل الدول العربية قبل وبعد قيام الكيان العنصري عام 1948 بتهجير يهود الدول العربية في مصر والعراق وليبيا وتونس والمغرب واليمن وسوريا ولبنان بالإغراءات أو حتى بزرع المتفجرات لإرهاب هؤلاء اليهود كي يهربوا من أوطانهم ويتم تهريبهم بالخديعة إلى فلسطين.
ويأخذ النفاق مداه، "فالكيان الديمقراطي" لا يستقبل غير اليهود من أوكرانيا، وقد رأى العالم كيف أن وزيرة الداخلية إييليت شاكيد كانت تستقبل بحرارة أولئك اليهود الهاربين من الاحتلال، ولكن إلى انتحارهم وهم يمارسون كأكباش محرقة احتلالاً دموياً في أرض لا ينتسبون إليها وترفضهم، حتى إن ما يُسمى بوزير الشتات يسافر بنفسهِ إلى بولندا ليقود عمليات نقل المهاجرين والمستوطنين الجدد إلى فلسطين المحتلة.
كما أن رئيس وزراء كيان العدو نفتالي بينيت قد أجاد تمثيل دور المنقذ لـ " ضحايا الحرب " في أوكرانيا حين كان يحتضن "بكل الحنو" الأطفال الأوكرانيين وقد صعد إلى سلم الطائرة!
ولكن رئيس أوكرانيا زيلينسكي هو الذي طلب دعم دولة الاحتلال بالسلاح، والعديد ينتقد اليوم بشدة العنصرية الصهيونية التي ترفض استقبال غير اليهود، وتسيء لهم وتعاملهم بتعالٍ وصلف، وترفض إيواءهم وتعيدهم من حيث جاؤوا، وطالبت سفارة أوكرانيا في (تل أبيب): "ندعو صناع القرار هنا إلى الغاء العقبات المصطنعة تجاه النساء والأطفال الفارين من بلادنا التي مزقتها الحرب".
وتشير عديد المصادر أن التمييز يسري على الجميع يهوداً وغير يهود، في الوقت الذي قال فيه مدير عام ما يسمى "سلطة السكان والهجرة" التابعة لوزارة الداخلية، تومير موسكوفيتش، أن الكيان يمارس التمييز، وأن كراهية الأغراب تجري في عروقنا، إنها جيناتنا!".
كما علق الكاتب الصحفي غدعون ليفي بكوميديا سوداء، بأن "التعالي على سائر الشعوب نرضعه مع حليب أمهاتنا، فلا تتوقعوا أن نتصرف بإنسانية".
ودولة هذه صفاتها لن تدوم، وهي بذلك تحمل بذور فنائها القادم والقريب.