قائمة الموقع

مُقْعَدٌ يُحيي أُمّة

2022-03-22T12:43:00+02:00

على أربعة دواليب، يسير بخطى ثابتة، وابتسامة لطيفة لا تغادرُ وجهه الذي أجهده التعب في سبيل حبه وقضيته التي وُلِد لأجلها، لم يُثنِه حاله الصّعب في التحرّك عدا عن الأمراض التي كانت تنهشُ جسده الذي لا يستطيع ُ تحريكه، ولكنه على أربعة دواليب، يمشي بخطى ثابتة، وغيره يمشي على رجلين قد أقعده اليأسُ وأحبطته الهزيمة.

    على أربعة دواليب، خطط بعقله الذي يَزِنُ أُمّة وأنشأ حلمه على أرض فلسطين، زرع البذرة في غزة، كانت يده مباركة، وتربةٌ مباركة سُقِيَت بماءٍ مبارك، وكلّ ما حوله مبارك، لتنطلق الشرّارة كالوميض الذي يحمل بشارة لكل الأمة، شقّت طريقها في ظلمة الهزائم والاحتلال الجاثم على صدر هذه الأرض الطيبة ، لتضرب في منتصف جبهته القاسية اللئيمة، فتسببُّ فيها شرخاً لم يندمِل حتى اللحظة، بل أتبعَ الشرارة بنيازك وشهب تحرق كل شيطان مارق، فتسبّب الصدمة والحسرة لهذا الجبان الرّعديد، الذي ظنّ بغطرسته وجبروته سيحكم الأرض الطيبة.

يجهلُ العدوّ أنّ القائد الأعلى الذي ينزّل أمره من السماوات العُلى سيختارُ جنوده ويبارك في خطاهم حتى لو كانت صغيرة، ليباركها الرحمن فيجعلها تنمو وتربو حتى بدت عملاقة، اختار من بين آلاف الشباب، ذلك المقعد على أربعة دواليب، ليكون حُجّةً على كل قاعد يمشي على رجلين ولكنّه لا يمشي، حجّةً على من استسلموا للخيانة ووقعوا في مستنقع الاستسلام والخذلان، لم يكن يملك إلا حجارة الأرض المباركة وأبناءها الطيبين الذي استجابوا لدعوته المباركة لتحرير الأرض المباركة.

 لم يكن يملك جيشا ولا دولة ولا حتى مؤسسة، كان لديه حلم وإيمان قوي بالجبّار، انطلق إلى المساجد ليحييها، كان يعلم أن ما يحيي هذه الأمة موجود في بيوت الله التي ينبغي لها أن تُحيى، بالتكبيرات التي تُعلن أن الله أكبر من كل شيء، من مكرهم وقوتهم وجبروتهم، الله أكبر التي تزلزل عروش الظالمين وتكشف عورات الخائنين، كانت حجارة من الأرض، وصراخ أبنائها الطيبين هاتفين الله أكبر، فكان حلم الشيخ قد بدا وارتسمت على وجهه تلك الابتسامة الرائعة، وأشرقت، حين كبر هؤلاء الصغار الذين أمسكت أيديهم المباركة الحجارة لتتحوّل إلى صواريخ صغيرة أحدثت بعض الثقوب والأصوات الصغيرة، لكنها كانت مخيفة لهذا العدو الجبان، وانطلقت أصوات المنافقين لتصفها بالعبثية، وكبرت هذه الصواريخ رويدا رويدا وباتت تصنع ضجيجا وألما في جسد هذا العدو المارق، والشيخ يبتسم وهو رسم حلما على أرض الواقع، إنها ابتسامة المنتصر، وكيف لا ؟

 قد صنع جيلا تلو جيل يحمل الحلم بيده، ويحفر الأنفاق بأظافره، وبات صوت أبنائه يزأر حتى وصل زئيرهم خارج حدود السجن الذي حاصروهم فيه، الكل يريد قتل هذا الحلم، ووأده، الكل يرمي بسواد حقده على هذه اللوحة الرائعة، فما كان من هؤلاء الجبناء، إلا أن توجّهوا بصواريخ غدرهم القاتلة إلى تلك الدواليب الأربعة، في فجر يوم مبارك، يوم الاثنين 22 ربيع آذار، خرجت روحه الطّاهرة إلى قائدها الأعلى، وقد رسمت ما عجز المحترفون عن رسمه.

 ظنّوا أنّهم قتلوه، ولم يعلموا أنّهم أحيوا ما بقي من رفات الأمة لينهض بقوةٍ وعزيمة تكمل ما رسمه الشيخ، ها هو لا يزال بابتسامته المشرقة ، وفي وجهه النّصر، وفي جبهته العزة والكرامة، وفي جسده المشلول صرخة قوة تخبركم أن القوة والعزة لله، عندما أضاءت سماء فلسطين يوم سيف القدس، كأنّي به يضحك مع أصحابه الطيبين، يخبروننا من بعيد، قد اقترب الموعد، فغذوا السير يا أحباب، ما هي إلى سويعات تفصلكم عن يوم العزّة والنصر والتمكين، استمرّوا لا يضّركم من خذلكم، كأنيّ به يقول، القادم أجمل مما فات، وولادنا رح يرجعوا، وبلادنا رح تتحرّر، اصبروا فالنّصر صبر ساعة.

    رحمك الله يا شيخ أحمد، قد كنت نبراسا في حياتك وبعد استشهادك، ما أقسى فراقك على قلوبنا التي تحبك وتفخر بك، كم كانت تلك الهجمة قاسية على جسدك المقعد، وكم كان مؤلما أن نرى عجزهم أن يسكتوك بهذه الطريقة، خابوا وخاب مسعاهم، والله إنك لحيٌّ فينا، كلما فترت همتنا تذكرناك فاستحيينا، وكلما قعدنا تذكرنا خطواتك على كرسيك المدولب فتحرّكت الدماء فينا عزيزة تدفعنا على خطاك، لم يثنك عجزك عن الحركة والسجن أن تسلّم العمل للأصحّاء.

 كنت قدوة لأمة كاملة، ونورا جعله الله في هذه الأرض الطيبة يسري في العتمة فيضيئها نورا عجزت كل أشباح الليل أن تطفئ نوره، ولا يزال يضيء حتى يكون حسرة وانتكاسة على رؤوس الغاصبين وأذنابهم، لا زال نوره يمتد، إن كان من نور الله فمن ذا الذي يجرؤ على إطفائه، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، يا نور السماوات والأرض، املأنا بنورك الذي لا يخبو واجعلنا على خطى أحبائك.

اخبار ذات صلة