لم تكن هذه المرّة الأولى التي يخوض فيها الأسير خليل عواودة غمار تجربة الاعتقال الإداري الظالم في سجون الاحتلال "بلا تهمة"، إذ يتجرع مرارتها للمرة الخامسة، خلال رحلة التنقل بين عتبات القهر الإسرائيلية.
السابع والعشرون من ديسمبر2021، بعدما أسدل الليل ستاره، كانت عائلة عواودة التي تقطن في الخليل، على موعد جديد مع جريمة جديدة بحق ابنها "خليل"، حينما اقتحمت قوات الاحتلال منزله، واعتقلته من بين أفراد عائلته، دون أي اكتراث لمشاعر أطفاله.
اقتادت قوات الاحتلال "خليل" صاحب الأربعين عاماً الأب لأربع بنات، وزجته في سجن "عوفر" بتهمة التحريض على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حسب ما روت زوجته دلال عواودة لصحيفة "فلسطين".
مرّت عشرة أيام على مكوثه خلف قضبان الزنازين الإسرائيلية، حتى جاء موعد تقديمه للمحاكمة على التهمة ذاتها، في الخامس من يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث تقول زوجته إن محكمة الاحتلال في "عوفر" لم تستطع إثبات التهمة ضد "خليل" لذلك قررت الإفراج عنه فوراً.
وكان "خليل" على موعد من الفرح بتخرجه من تخصص "علم الاقتصاد" من جامعة القدس المفتوحة بالخليل، عقب الانتهاء من إنجاز مشروع التخرج النهائي المتأخر بفعل "التنغيص" من كثرة الاعتقالات التي امتدت لحوالي 12 سنة متفرقات.
وتحكي دلال أن سلطات الاحتلال حوّلت زوجها إلى الاعتقال الإداري فور الإقرار بتبرئته والإفراج عنه، "وبعد 72 ساعة من تحويله أبلغنا الاحتلال أن سيقضي 6 أشهر في الاعتقال الإداري".
وتوضح أن عدم وجود أي تهمة ضد "خليل" دفع الاحتلال لتحويله للإداري "دون تهمة" تحت ذريعة واهية أنه "يشكل خطرا على أمن (إسرائيل)".
الأسير خليل يعرف مرارة وظلم الاعتقال الإداري عند احتلال مجرم داس كل معاني الإنسانية وألقى بالقوانين الدولية التي تنص على حقوق الأسرى في سلة المهملات، لذا عكف على خوض الإضراب المفتوح عن الطعام، وفق ما تقص زوجته.
وتذكر أنه أمضى في الاعتقال الإداري أكثر من 6 سنوات متفرقة من أصل 12 سنة في مختلف سجون الاحتلال، بدأت أولاها في عام 2000، حتى يومنا هذا.
وتُكمل أنه "بعد تحويل زوجي للاعتقال الإداري أُصيب بفيروس كورونا، وفاقم حالته الصحية، الأمر الذي جعله يتراجع عن خطوة الإضراب عن الطعام في حينها".
في الثالث من مارس/ آذار الجاري، تعافى الأسير "عواودة" من فيروس كورونا، وشرع في الإضراب المفتوح عن الطعام، رفضاً لهذه السياسة الظالمة، خاصة أنه لم يتم توجيه أي تهمة له، تُتابع زوجته.
وتبيّن أنها زارته في سجنه في الثالث عشر من نوفمبر الماضي، وأبلغها أنه يعتزم البدء في الإضراب عن الطعام، قائلًا لها: "الإضرابُ عن الطعام يُقلّل مُدّة الاعتقالِ ويُحدّد السقفَ الزمنيَّ له".
وكان من المُقرّر أن تزور "دلال" زوجها "خليل" في السادس من مارس الماضي، لكنّ شروعه في الإضراب أدّى إلى إلغاء الزيارة، في حين تُشير إلى أنّ إدارة السجون حوّلته إلى العزل الانفرادي في "عوفر" قبل 10 أيام، من أجل إخضاعه وإجباره للتراجع عن خُطوة الإضراب.
وتحكي دلال بصوت يُرافقه الفخر والقوّة: "إرادة خليل أقوى من السجّان، فلن يستطيعوا إرغامه أو النيل من عزيمته وثنيِه عن خُطوة الإضرابِ عن الطعام".
وتُشير إلى أنّ خليل يُعاني أمراضًا عدّة، أبرزها غضروف في الرقبة ويحتاج إلى عملية جراحية صعبة جدًّا، ولكن حاليًّا يكتفي بأخذ "المُسكّنات"، إضافة إلى حاجته لإجراء عملية "إزالة ظفر" من عينه اليمنى، وعملية أخرى في العين اليُسرى، "لكنّ الاعتقال حالَ دون إجرائهما".
وتستنكر سياسة الاعتقال الإداري التي يسعى من خلالها الاحتلال للتنغيص على الشعب الفلسطيني، ولا سيّما أنّ "خليل" على أعتاب التخرُّج من الجامعة، بعد أن تعطّل لعدّة سنواتٍ بسببِ كثرةِ الاعتقالات، رغم تفوُّقه، "وهو ما يترك آثارًا نفسيةً صعبةً على جميع ِأفرادِ العائلة".
ومنذُ دخوله الاعتقال الإداري، انضمّ "خليل" إلى الأسرى الإداريّين الذين يُقاطعون محاكم الاحتلال رفضًا لهذه السياسة الظالمة.
ويُواصل الأسرى الإداريون في سجون الاحتلال مُقاطعة المحاكم الإدارية لليوم الـ 80 على التوالي، للمُطالبة بإنهاء سياسة الاعتقال الإداري تحت شعار "قرارنا حرية".
ويقبع نحو 500 مُعتقلٍ إداريٍّ في سجون (مجدو، عوفر، النقب، ريمون، والدامون)، فيما يقبعُ أكبر عددٍ منهم في سجني "النقب، وعوفر".
وكان الأسرى الإداريّون أعلنوا مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، المُقاطعة الشّاملة والنهائية لكلّ إجراءات القضاء المُتعلّقة بالاعتقال الإداري (مراجعة قضائية، استئناف، عليا).