قائمة الموقع

الشعبونية.. موروث اجتماعي تستأثر به نساء نابلس

2022-03-22T09:39:00+02:00
صورة أرشيفية

لا تزال عروب الجملة تستذكر عادة الشعبونية التي تنشط في شهر شعبان من كل عام، لتضج ذاكرتها بمشاهد وحكايات لعائلتها التي كانت تجتمع معًا، في أثناء مرافقتها والدتها إلى ديار جدها.

وتوارث النابلسيون عادة الشعبونية منذ أكثر من 200 عام، إذ امتازت بها مدينة نابلس دون غيرها من المدن الفلسطينية، وتنسب العادة لشهر شعبان، إذ يدعو رجل البيت الأب أو الشقيق النساء فقط من البنات والشقيقات والخالات والعمات، ومن يتبعهن من الإناث والصبية الصغار لتناول الطعام والمبيت عنده، سعيًا لتعزيز صلة الرحم وأواصر المحبة وألفة اللقاء.

وتقول الجملة لصحيفة "فلسطين": "أيام جميلة تنتظرها النسوة بصبر نافد، كنا نقضي ثلاثة أيام بلياليهم ما بين تناول أطعمة مميزة تتركز على أكلات نباتية كالبامية والملوخية المجففة تحتفظ بها الأسرة في بيت المؤونة، وجلسات رائعة وأحاديث نسوية وقصص، كما أنها لا تخلو من الرقص والغناء".

وتضيف: "الجميل في هذه العادة أنها تخلق جوًّا من الصفاء والود والتسامح، حيث تنتهي أي حالة شحناء وبغضاء بين الأشقاء"، مشيرة إلى أن العائلات لم تكن تكترث لطبيعة الوضع المادي أو ضيق بعض البيوت.

وكانت الجملة تعد الأيام منتظرة دعوة والدتها لـ"الشعبوينة"، فهذه الأيام فرصة لالتقاء بنات جيلها للعب والمرح معًا في فناء المنزل، في حين تستيقظ النسوة الكبار باكرًا لأجل إعداد أصناف الطعام، ويكتمل المشهد باجتماع جميع النسوة على مائدة واحدة.

وتقول: "إن الشعبونية لم تقتصر على أيام محددة في شعبان، بل يدعى لها من بداية الشهر حتى آخر أيامه"، مشيرة إلى أن بعض العائلات النابلسية لا تزال تتمسك بهذه العادة المتأصلة، في حين غيرت أخرى من صورتها، فلم تعد تقتصر على النساء بل توجه الدعوة للرجال لتناول طعام الغداء.

وطقوس الشهر الهجري في نابلس لا تقف عند إطعام الطعام، فهي من أشهر المدن الفلسطينية احتفالًا بليلة النصف من شعبان، لا سيما أن نابلس معروفة بالنزعة الصوفية، فمع قرب غروب شمس الرابع عشر من شعبان تبدأ الاستعدادات لما يُعرف بـ"ليلة الشعلة"؛ إذ تنطلق المواكب من أمام الزوايا الصوفية كزاوية الشيخ نظمي، يتقدمها الأطفال وهم يحملون المشاعل، برفقة حملة البيارق الملونة وقارعي الطبول، لتجوب البلدة القديمة منها، ويتضمن الاحتفال فعاليات ترفيهية للأطفال مع ابتهالات ومدائح نبوية، وفقرة خاصة لحكواتي نابلس.

عادة عربية تختلف مسمياتها

من جهته يذكر الباحث في التراث الفلسطيني حمزة العقرباوي أن لشهر شعبان مكانة خاصة قبل نزول الإسلام، وبعد نزوله ارتفعت مكانته ونسبت له فضائل كثيرة، بعضها استند إلى أحاديث ضعيفة أو خرافات، وبمجيئه أيضًا جعل له مكانة كبيرة لفعل الخيرات لما فيه من فضائل إذ يتسارع الناس إلى فعل العبادات.

بعض الطقوس والعادات استندت إلى أحاديث ضعيفة وخرافات قديمة، لكن بعض الناس جعلوها من ضمن طقوس الشهر، التي منها أن النبي زكريا (عليه السلام) صام يوم الأحد الأول من هذا الشهر قبل أن يستجيب الله له ويهبه يحيى، فيصوم بعض الناس ذلك اليوم، ويحتفلون به بإعداد أصناف من الحلويات، ويوفون بنذورهم وسط احتفال عائلي.

وليمة شعبان التي تعرف بـ"الشعبونية" يبين العقرباوي أن هذه العادة عرفتها بلاد الشام والجزيرة العربية ودول المغرب العربي، ولكن اختلفت مسمياتها حسب كل منطقة، وقد تتفرد بتفاصيل تميز كل منطقة من الأخرى، ولكن تتفق في جوهرها وطبيعتها.

ويقول: "تتمسك العائلات النابلسية بهذه العادة حتى هذا اليوم طمعًا في ثواب الله ولتقوية النسيج الاجتماعي وصلة الرحم، وتقام في بيت كبير العائلة، أو في فسحة عامة، أو مكان مفتوح، أو عند مقامات الأولياء، أو تحت أشجار النخيل، أو في الحقول المُشجرة والمتنزهات".

ويقدم في الشعبونية أصناف مختلفة من المأكولات، وكل ما لذ وطاب، وما لا يمكن طبخه في شهر رمضان كالكبة والكوارع، واللخنة النابلسية، والفسيخ، والمفتول، والمحاشي، إلى جانب ما لا يمكن بقاؤه في مؤونة البيت بسبب إقبال شهر رمضان، فتكون السفرة عامرة بمختلف الأطعمة والحلويات التي تشتهر بها المدينة.

ويلفت العقرباوي إلى أن فعاليات هذه العادة في مدينة نابلس تقام على مدار ثلاثة أيام، يدعى إليها جميع الأرحام و"الولايا" دون الرجال، تقليدًا موروثًا من الآباء والأجداد عليهم الحفاظ عليه.

اخبار ذات صلة