فلسطين أون لاين

والدته لـ"فلسطين": غاب جسده ولا تزال روحه حاضرة في كل مكان

تقرير الأيقونة "أبو ثريا".. نال الشهادة بعد إصابته برصاص الاحتلال 12 مرة

...
إبراهيم أبو ثريا
غزة/ نور الدين صالح:

حمل هم قضية فلسطين في قلبه منذ نعومة أظفاره، إذ لم يترك ميدانا للمواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، سواء على الحدود الشرقية لقطاع غزة أو داخل أحيائه، حتى ارتقى شهيدا وأصبح "أيقونة" للمقاومة والنضال بين أوساط شعبنا.

حكاية الشهيد إبراهيم أبو ثريا (29 عاما) بدأت قبل أن يدخل عامه الثاني عشر، حينما أراد أن يرسم بجسده لوحة نضال وصمود لشباب يرفض جرائم الاحتلال المستمرة على أرض فلسطين وتحديدا في قطاع غزة، فأصيب برصاصات إسرائيلية "غادرة" قرابة 12 مرة.

أبرز صفحات نضال "أبو ثريا" كانت في أبريل/ نيسان 2008 حينما هرع مُسرعا من بيته في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة إلى مخيم البريج بالمحافظة الوسطى لمقارعة قوات الاحتلال التي كانت تجتاح المخيم آنذاك.

مرّت بضع سويعات على وصوله إلى المخيم، وإذ بطائرة إسرائيلية تُلقي بأحد صواريخها الثقيلة صوب مجموعة من أصدقائه، ما أدى إلى إصابته في قدميه وارتقاء سبعة شهداء، حسبما تروي والدته اعتدال أبو ثريا (60 عاما).

نُقل "إبراهيم" إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بالمحافظة الوسطى حينها ومكث فيه 24 ساعة، ثم حُوِّل إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة نظرا لخطورة حالته، وهناك أقرّ الأطباء بتر ساقيه، وانتهى به المطاف على "كرسي متحرك"، تقول والدته لصحيفة "فلسطين".

انقلبت حياته رأساً على عقب، فقلبه مُعلق بحُب قضيته والدفاع عنها من إجرام الاحتلال، وذهنه منُشغل في كيفية توفير المصاريف اليومية لأسرته الفقيرة المكونة من ثمانية أفراد ووالديه المُسنيّن، فهو المُعيل الوحيد لهم، خاصة أن والده يعاني أمراضًا ألزمته الفراش بعدما كان يعمل في مهنة الصيد.

وتضيف الحاجة اعتدال عن نجلها "إبراهيم": "يُحب المقاومة منذ طفولته، ولم يترك أي ميدان أو مواجهات إلا وكان يشارك فيها في كل مناطق قطاع غزة، من شماله حتى جنوبه".

"إن شاء الله رح أستشهد وأوحد كل الفصائل الفلسطينية"، كلمات خرجت من "إبراهيم" لأمه التي تؤكد ذلك بقولها "كان يُحب كل الفصائل حتى أنه يقتني جميع راياتها في غرفته الخاصة".

9 سنوات مرت بين بتر قدميه واستشهاده عام 2017، أمضاها "إبراهيم" سعيا في كسب قوت عائلته، حيث كان يمتهن غسل السيارات في شوارع غزة، مع عدم تخليه عن مقاومة المحتل من على "كرسيه المُتحرك".

"الأرض أرضنا ومش رح نستسلم، وسنواصل الاحتجاج على الحدود".. كلمات رافقتها ملامح التحدي والصمود انطلقت من "أبو ثريا" رفضا لإعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اعترافه بمدينة القدس المحتلة عاصمة مزعومة للاحتلال، في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017.

وفي أعقاب القرار الأمريكي، لم يتخلّف "أبو ثريا" عن المشاركة في المسيرات الغاضبة التي انطلقت على الحدود الشرقية لقطاع غزة رفضا للقرار كما تقول والدته.

تتحدث "أبو ثريا": "كان إبراهيم يذهب لرفع العلم الفلسطيني في وجه جيش الاحتلال دون أي خوف خلال المواجهات قرب السياج الفاصل شرقي قطاع غزة، وهو يتأمل الشهادة في سبيل الله وفداءً للوطن ولأن تبقى القدس عاصمة فلسطين".

يوم الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2017، بدا هادئا، ومن إن اقتربت عقارب الساعة من الثانية بعد ظهر يوم الجمعة آنذاك هبّ "إبراهيم" نحو السياج الفاصل شرق حي الشجاعية مُشاركاً في المسيرات الرافضة للقرار الأمريكي.

بكل جرأة وحماسة اقترب "إبراهيم" من السياج الفاصل، فغرس العلم الفلسطيني في الأرض ليوصل رسالة ثباته وتجذره في أرضه، وهو ما لم يرق لذاك القناص الإسرائيلي الذي أشهر بندقيته وأطلق رصاصته "الغادرة" لتستقر في رأسه وتزهق روحه إلى بارئها.

روى "إبراهيم" في هذا المشهد بدمائه الطاهرة أرض غزة، واستطاع جمع كل الفصائل الفلسطينية في جنازة تشييعه التي انطلقت من مسقط رأسه بمخيم الشاطئ، وتحققت أمنيته بالشهادة دفاعا عن أرضه.

مرّت نحو خمس سنوات على استشهاد "إبراهيم" ولا تزال روحه حاضرة بين عائلته من جهة، وغرس حب الجهاد والمقاومة بين الشباب الثائر من جهة أخرى، تقول والدته.

اختلطت مشاعر الفراق بالقوة، إذ تضيف والدته: "لا تزال روح ابني البكر حاضرة في البيت، ونستذكره في كل لحظة، فهو السند والمُعيل والمقاوم في آن واحد".

ثم تكمل وهي تتحدث عن مناقبه الطيبة "إبراهيم كان طيب القلب وحنونا، ولا يتوانى عن مساعدة إخوانه وجيرانه، وكل من يعرفه يشهد له".

الحماسة لم تفارق صوتها وهي تردف "أنا فخورة بأنه نال الشهادة، وبرفع راسي عاليا لما ينادوني أم الشهيد".

وأكدت في رسالة للمؤسسات الحقوقية أن العائلة متمسكة بحقها في ملاحقة قاتل ابنها، على الرغم من أنها لم تعلّق آمالها على محاكم الاحتلال التي ترافعت أمامها مؤسسات حقوقية "نريد حقه، ولن نقبل أن تذهب دماؤه هدرًا".