"إن كانت حماس بكل هذه القوة، فكيف حين يخرج لها نووي حماس..."، هكذا أعلنت "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية الصادرة باللغة الإنجليزية بمدينة القدس المحتلة، مخاوف الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته من الدكتور إبراهيم المقادمة أحد أبرز القادة السياسيين والعسكريين في حركة المقاومة الإسلامية حماس.
والغريب هنا أن هذا الإعلان جاء في الصحيفة الإسرائيلية، عندما كان المقادمة معتقلًا في سجن عسقلان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ نكبة الـ48، وهو ما يدلل على مدى خشية الاحتلال من هذا الرجل.
يعدّ المقادمة في نظر الكثيرين ممن عرفوه، شخصية فريدة من نوعها تمتع بفكر عالٍ جعله مؤهلًا لتولي مناصب حساسة في حركة حماس منذ أن شارك في تأسيسها إلى جانب الشيخ الشهيد أحمد ياسين.
ولد المقادمة عام 1952، وتنحدر أصوله من بلدة يبنا التي هاجر أهله منها قسرًا مع آلاف الفلسطينيين عام 48 بسبب مجازر "العصابات الصهيونية"، ونشأ في أسرة ملتزمة عدد أفرادها 12 فردًا إضافة إلى والده ووالدته.
عاش المقادمة في مخيم جباليا وتعلم في مدارس وكالة الغوث الدولية، وحصل على الثانوية العامة والتحق بكلية طب الأسنان في إحدى الجامعات المصرية، وتخرج فيها طبيبًا للأسنان، ثم انتقل للعيش في مخيم البريج وسط قطاع غزة، وهو متزوج وأب لسبعة من الأبناء.
وانضم المقادمة للحركة الإسلامية في سنوات شبابه الأولى وتحديدًا عندما كان في الثانوية العامة وكان له علاقة بالشيخ أحمد ياسين، وذلك قبل أن ينتقل إلى الدراسة الجامعية في ومصر.
وبعد أن أنهى دراسته الجامعية وعاد إلى قطاع غزة أصبح أحد قادة الحركة وكان من المقربين للشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس وزعيمها في حينه.
وحسبما يقول حسن المقادمة شقيق الدكتور إبراهيم، فإن الأخير كان محب للقراءة كثيرًا، الأمر الذي جعله مثقفًا، ويحرص على المطالعة خارج النهج الدراسي المتخصص فيه.
ويؤكد حسن أن شقيقه كان مغمورًا بشدة بالقراءة والاطلاع وخاصة في الكتب والمجلدات الخاصة بالفكر الإسلامي.
وعمل المقادمة طبيبًا للأسنان في مستشفى الشفاء بغزة ثم حصل على دورات في التصوير الإشعاعي وأصبح أخصائي أشعة، لكن بسبب اعتقاله السياسي في سجون السلطة وفصله من عمله في وزارة الصحة، عمل طبيبًا للأسنان في الجامعة الإسلامية.
ويقول شقيقه أيضًا، إنه كان يحرص خلال الإجازات التي يحصل عليها كان يستغلها كلها في القراءة والاطلاع، وهو ما جعله مثقفًا في دينه وعلوم أخرى.
والرجل نفسه، كان من أشد المعارضين لاتفاق التسوية (أوسلو) بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال الإسرائيلي، كما يضيف شقيقه لصحيفة "فلسطين".
تصفية القضية
وتابع، أن شقيقه كان يعد أي اتفاق سلام مع الاحتلال سيؤدي في النهاية إلى تصفية القضية الفلسطينية وإنهائها، وهو لا يؤمن إلا بالمقاومة كسبيل وحيد لتحرير فلسطين واستقلالها.
وذكر حسن أن المقادمة اعتقل لأول مرة سنة 1984، حيث كان المسؤول عن فكرة إعداد وتشكيل نواة الجهاز العسكري لحركة حماس حينها، وحكم عليه الاحتلال بالسجن 8 سنوات ونصف السنة.
وكان معه حينها، الشيخ أحمد ياسين، صلاح شحادة، عبد الرحمن شهاب، ومجموعة من قيادات الحركة البارزة في حينه، وجاء اعتقالهم بناءً على تهم مختلفة وجهها الاحتلال ضدهم، وأصدر أحكامًا مختلفة عليهم، وأعلاهم كان الشيخ الياسين.
مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، أطلق الاحتلال سراح المقادمة وتحديدًا في 1992، وفي وقت لاحق اعتقله الاحتلال مجددًا 6 أشهر إداريًا.
وفي غزة تعرض المقادمة للملاحقة من أجهزة أمن السلطة والاعتقال في سجونها، نظرًا لما شكله من قاعدة مركزية تدعو للمقاومة ومواجهة الاحتلال ومن ورائه حركة حماس وجناحها العسكري، وقد كان في تلك الفترة يقود الحركة كما يقول شقيقه.
وقال: إن المقادمة خسر نصف وزنه بالكامل خلال التحقيق معه في سجون أمن السلطة بغزة، ونقل لغرف الإنعاش في المستشفيات عدة مرات، ووصل مرحلة لم يعد خلالها على تناول أي شيء، حتى أن الماء عندما يتناوله لم يبقَ في جوفه لحظات قبل أن يطرده جسمه للخارج.
وأكد أن الهدف من استهداف المقادمة وغيره من قادة حماس في عام 1996، لإجبارهم على التخلي عن المقاومة المسلحة للاحتلال.
لكن ذلك لم يجبره على الإطلاق على تنفيذ ما تريده السلطة ضمن رؤيتها لتسوية الصراع مع الاحتلال.
وعندما خرج من سجون السلطة، وذلك عام 1997، تولى مناصب ومسؤوليات كبيرة في حركة حماس على عدة صعد، منها ما يرتبط بالجانب السياسي، وآخر بالعسكري، وشؤون تتعلق بمؤسسات الحركة.
وذكر أن الاحتلال كان يصف إبراهيم المقادمة بأنه "أكبر إرهابي في المنطقة"، وتحديدًا على لسان بنيامين نتنياهو، عندما كان رئيسًا للوزراء في التسعينيات، وبعد اغتيال المقادمة قال أيضًا: "إن العالم أكثر أمنًا بعد تصفية المقادمة". وفي ذات الحين قال مسؤول "الشاباك" الإسرائيلي في حينه: "إن المقادمة يستهدف لا لكونه إرهابي بل لكونه مدرسة تدرس الإرهابيين" على حد زعمه.
وصباح يوم السبت الموافق 8 مارس/ آذار 2003، اغتال جيش الاحتلال المقادمة في قصف نفذته طائرات الاحتلال واستهدفت مركبته في مدينة غزة، وتحديدًا قرب مقبرة الشيخ رضوان، واستشهد معه 3 من مرافقيه وأصيب عدد من المارة وطلبة المدارس بجراح.
ويقول حسن المقادمة، إن شقيقه الشهيد إبراهيم المكني بـ"أبو أحمد"، إضافة إلى كونه مفكرًا، كان أحد أشد المتمسكين بخيار المقاومة كخيار أخير ووحيد واجب التعامل به مع الاحتلال، ودافع عن هذا الخيار حتى يومه الأخير، مشيرًا إلى أن الاحتلال اغتاله بسبب شدة تأثيره القوي في نفوس الشعب الفلسطيني.
واستطاع الجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام، توثيق حكاية هذا الرجل وذكراه بإطلاق اسمه على أول صاروخ يدك "تل أبيب" عاصمة (إسرائيل) السياسية والاقتصادية، وحمل الصاروخ رمزًا مختصرًا "M 75"، وذلك نسبة للشهيد المقادمة.
وقصفت القسام "تل أبيب" بهذه النوعية من الصواريخ لأول مرة في تاريخها، ردًّا على اغتيال الرجل الثاني في القسام أحمد الجعبري، بغارة جوية استهدفت مركبته واستشهد معه مرافقة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012.