فلسطين أون لاين

يطبق عليها الاستيطان والهدم القسري

تقرير في كفر الديك.. يختلسون الليل بحثًا عن الحياة في أرضهم

...
سلفيت/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

حرم الاحتلال الإسرائيلي المسنة منصورة الديك (63 عاماً) من الوصول لأرضها في قرية "كفر الديك" شمال سلفيت بعد أنْ وضع حولها أسلاكًا شائكة وبوابات، فأصبح العبور لها يحتاج "إذناً مسبقاً" والذي لا تتحصل عليه سوى بضعة أيامٍ في العام، لـ"جنى محصول الزيتون" فقط.

لا تبعد أرض المواطنة الديك عن منزلها سوى خمسة دقائق بالسيارة أو ساعة مشياً على الأقدام، غير أن إجراءات الاحتلال جعلت الوصول إليها في الأيام العادية مستحيلاً، وذلك فضلا عن قطاع الطرق من المستوطنين الذين ينتشرون على الطرقات.

وحتى عندما تدخل العائلة في الأيام التي يسمح لها الاحتلال بها في موسم "جني الزيتون" فإنهم ممنوعون من القيام بأي أعمال لاستصلاح الأرض بما في ذلك قص أغصان الأشجار التالفة، تقول: "لا يُسمح لنا سوى بجني المحصول، أما حراثة الأرض وغيرها من الأعمال التي تحييها فهي ممنوعة".

وفيما يحرم الاحتلال أهالي كفر الديك من التمتع بأرضهم، تفتح تلك المساحات الزراعية المملوكة للمواطنين الفلسطينيين أمام مستوطني المستوطنات المحيطة بالقرية على مدار الساعة، "على مرأى أعيننا يتنزهون في أراضينا ويفعلون ما يحلو لهم من أنشطة كشواء الطعام".

وتبين الديك أنهم يسعون بكل الطرق لدفعهم للتخلي عن أرضهم وتركها لتحويلها لـ"محمية طبيعية" يتمتع فيها المستوطنون، لكن أمام إصرار الأهالي على عدم ترك أرضهم يلجأ الاحتلال لحرمانهم من الوصول إليها في لعب منه على "وتر الزمن".

لكن بالمقابل فإن المسنة الديك تؤكد أنه مهما فعلوا فإنها لن تتخلى عن أرضها، وهذا ما ربت عليه أبناؤها من بعدها، "لن نتنازل عنها أو نبيعها مهما كان الثمن، وإنْ صادروها فيوماً ما سيعود الحق لأصحابه".

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ يطلق المستوطنون "خنازيرهم البرية" لتعيث فساداً في تلك الأراضي، فالقرية منذ أنْ أصبحت محاطة بمستوطنتي "ليشم" و"عالي زهاف" وأرض البلدة تُقضم شيئاً فشيئاً، "لقد تغير وجه البلدة كثيراً، باتت تلك البقعة غريبة علينا، تبدلت ملامحها وكأننا لم ننشأ فيها، لقد صادروا أكثر من نصف أرضنا ولم يكتفوا بذلك، بل إن أغلب البيوت من حولي معها أوامر هدم فيما يمنعون البناء حتى لو إضافة حجر للبيت، هم يريدون إفراغ البلدة من الفلسطينيين بشكل تام وضم أراضيها لـ(إسرائيل)".

صراع مرير

ومن الذين أصدر بحقهم الاحتلال أوامر هدم للبيوت، المواطن حمادة محمد الديك الذي يخوض صراعاً مريراً منذ ثلاثة سنوات خلت في محاكم الاحتلال في محاولة منه لوقف أمر هدم منزله.

وإذ يبين أن القرية مستهدفة لكونها ملاصقة لـ(إسرائيل)، "فهي تُعد ضاحية من ضواحي "تل أبيب" لقربها الشديد منها "تفصلها ثلث ساعة بالسيارة"، كما أنها جزء من محافظة سلفيت التي يركز الاحتلال مؤخراً على الاستيطان فيها كونها تفصل بين شمال الضفة وجنوبها".

ويشير الديك إلى أن أوامر الهدم التي تلقاها وعدد كبير من أبناء قريته جزء بسيط من إجراءات الاحتلال الاستيطانية ضد المواطنين، فهو يصادر الأراضي للطرق الالتفافية و"التحريش" (تحويل الأراضي لمحميات طبيعية) أو فتح خطوط المجاري الخاصة بالمستوطنين لتغرق الأراضي وأشجار الزيتون.

ومنذ أربعة سنوات خلت والمواطن الديك يلحظ تسارعاً غير مسبوق في الاستيطان في قريته، "فلم يعد أحد يستطيع أن يبني أية منشأة، فطائرات الاحتلال المسيرة تراقب نشاط المواطنين ليلاً ونهاراً، وأي مواطن يُضبط وهو يبني تأتي قوات الاحتلال فوراً لاعتقاله وتغريمه وهدم ما بناه".

ويلفت إلى أن عمال البناء لم يعودوا يقبلون بالعمل في القرية بعد أنْ تعرضوا لأكثر من مصادرة لآلياتهم  الثقيلة وفرض للغرامات الباهظة عليهم، "أصبح المواطنون يعملون في ظلام الليل خلسة وبأيديهم لعمل إصلاحات أو بناء بسيط في بيوتهم".

ويضيف: "إذا غفلت أعين جيش الاحتلال لحظة فإن عيون المستوطنين ترصد أي نشاط بناء وتبلغ به قوات الاحتلال فوراً، فيما يُحرم الفلسطينيون من البناء فإن المستوطنات تشهد نمواً غير مسبوق فيه، حتى أن عدة مستوطنات بُنيت في المنطقة في وقت قياسي كـ"ليشم " و"بورخين".

ويشير الديك لمعاناته المتمثلة في حرمان الاحتلال له من الحصول على ترخيص بالبناء، الأمر الذي منعه من استكمال بناء بيته فيما تهدد بإزالة المنزل الذي بناه، وهو على ثقة بأن محاكم الاحتلال العنصري ستنصفه بتاتاً.

ولا يتوقف الأمر عند منع البناء بل إن مصا\درة الأراضي تجري على قدم وساق، كما أن المواطنين ممنوعون من شق الطرق الزراعية وتزويدها بالكهرباء والمياه، فيما تتوالى الإخطارات بتجريف أشجار الزيتون، "وهناك أسلوب آخر وهو التحويل لمناطق أثرية لأجزاء واسعة من الأراضي، فيُمنع المواطنون من استصلاحها أو زراعتها".

ويؤكد الديك أن المواطنون في القرية يعانون من حصار خانق يهدف لدفعهم لترك أراضيهم والرحيل منها، بضرب مهنتهم الأساسية وهي الزراعة في مقتل بفعل إجراءات الاحتلال، "حتى أن الاحتلال يفسح المجال واسعاً امام المستوطنين لإقامة دعاوى ضد بيوت بالقرية وطلب هدمها، فهناك ثلاثة بيوت قُدمت ضدها دعوى هدم من قبل جمعية استيطانية!".