"لتتدبري الأمر بمفردك.. تصرفي.. اصطحبي أخوكِ معكِ في زيارة الطبيب"؛ إنها جزءٌ من قائمة الردود المعتادة من قِبل الزوج غير المسؤول حينما تطلب منه زوجته تنفيذ أبسط احتياجاتها اليومية، فيُلقي على عاتقها كل المسؤوليات المنوطة به كرجلٍ؛ لمجرد أنه غير مبالٍ ومتحمل للمسؤولية؛ ولا يحب أن يجهد نفسه كثيرًا.
الزوج غير المسؤول هو من أصعب أنماط الشخصيات في الرباط المقدس، بل إنه السبب في أكثر حالاتِ الطلاق شيوعًا؛ لأنه لا يستطيع ولا يحب أن يفعل شيئًا؛ فيراكم كل المسؤوليات على زوجته لتصبح أمًا وأبًا بمرور السنوات؛ أما هو فيغدو "وجوده وعدمه واحدًا".
رائدة (28 عامًا) من مدينة غزة، مر على زواجها 11 عامًا كانت مليئة بالمتاعب الزوجية التي كانت لا تهدأ حتى سنواتٍ قريبة بسبب أن زوجها غير مسؤول؛ ويريدها أن تكون المرأة والرجل في البيت لأنه منهمك في عمله.
تقول رائدة لـ"فلسطين": "تزوجتُ في عمرٍ صغير نوعًا ما وكنتُ أحتاج لمن يحتويني وليس لمن يلقي عليَّ كل أعباء الحياة الزوجية من تدبير شؤون المنزل ومصاريف البيت ورعاية الأطفال والذهاب بهن للطبيب حينما يمرضون، لأن رده الجاهز على الدوام: "مش فاضي، دبري حالك".
وأضافت: "تعوّد زوجي أن أبي يجلب لي ما أحتاجه من طعامٍ وشرابٍ ومال إذا طلبت، وأمي ترافقني في جميع مناسباتي الاجتماعية وحتى العيادات الطبية وبالطبع هي من تتحمل المصاريف، لأن زوجي غير مستعد أن ينفق ماله في شراء هدية لزيارة أختي أو أخته مثلًا، ولا حتى إنفاق المال على دواء".
معتمد على والده
أما نهال ابنة الـ25 ربيعًا، وهي متزوجة منذ سبع سنوات، إلا أنها مع الأسف تعاني من عدم التفاهم في حياتها الزوجية لأن زوجها معتمد اعتمادًا كاملًا على والده في الإنفاق عليه منذ كان طالبًا وحتى بعد زواجه، فهو لا يحب أن يرهق نفسه في عمل إضافي يحسن الدخل.
تقول نهال لـ"فلسطين": "لا أشعر أني مُستقلّة في حياتي حينما أطلب مالًا من زوجي يوعز لي أن أطلب ذلك من حماي، حتى فاض بي الكيل وذهبت إلى أهلي "حردانة" بطفلي الصغير الذي أصيب بحرق متقدم في جسمه وأهمل علاجه؛ مع العلم أنه طلب مني أن ترافقني أمي للطبيب حتى لا أطلب منه مالًا لعلاجه".
ومضت قائلة: "حتى في شراء حاجيات البيت من ملابس ومأكل أسمع جملته المعهودة "دبري حالك أنا بدي أقطع حالي"، فأضطر إلى الاستدانة وأجمع الشيكل فوق الآخر لأسدد الدين، كنت في البداية أطلب من والدي ولكن السنوات طالت وأصبحتُ أثقل على أبي".
وتابعت حديثها بمرارة: "إنه عديم المسؤولية حتى في إصلاح ما يعطل في البيت كالغسالة أو الثلاجة، فصرتُ أضطر إلى طلب المساعدة من أخي لإصلاحها".
ولكن نهال استطاعت بعد خمس سنوات من المعاناة أن تضع حدًا لهذه المأساة، فأهملت المسؤوليات التي من المفترض أن يقوم بها زوجها، وادخرت بعض المال لتنفقه في وقت الحاجة والطوارئ.. هذا أقصى ما استطاعت فعله في المشكلة الجسيمة.
التنشئة سبب
وفي ذات السياق تقول الأخصائية النفسية إكرام السعايدة: إن عدم المسؤولية هو أحد أنماط الشخصية؛ فيكون صاحبها غير مبالٍ لأنه نشأ من الصغر على ذلك، وغالبًا والداه لم يمنحاه الفرصة لتحمل المسؤولية، كما أنه فاقد الثقة في ذاته بأنه يستطيع تحمل المسؤولية.
وأوضحت السعايدة لـ"فلسطين" أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها الشباب العاطلون عن العمل تجعلهم معتمدين ماديًا على الأب، إضافة إلى اعتماد الزوج على الأهل في الحياة الاجتماعية وحياته الزوجية، كلها مسببات مع مرور الوقت تخلق شخصيات غير مبالية.
وأشارت إلى أن من صفات الزوج غير المسؤول هو عدم تحمله لمسؤولياته الأسرية لا سيما المادية وحتى الاجتماعية.
إدراك المشكلة
ولفتت السعايدة إلى أن تشخيص مشكلة الزوج غير المسؤول بداية الحل؛ حيث تدرك الزوجة أن هذا هو نمط زوجها تحديدًا، وكذلك الحديث والحوار المتبادل المبني على أساس التفاهم، وتفادي توجيه انتقاد الزوج بطريقة لاذعة تؤجج الخلافات.
ودعت الزوجة أن تشرح شكواها لزوجها بطريقةٍ لبقة، مع استشهادها بأمثلةٍ لأنماط شخصيات أخرى من الأقارب أو المعارف بأسلوب ليس جارحًا، مضيفة: "عليكِ تجنب تحمل كل المسؤولية؛ واتركي له المهام المطلوب منه القيام بها؛ وإبداء الأعذار بطريقة دبلوماسية وحنكة عن أدائها بدلًا منه، وتجنب التدخلات الخارجية، إلا إذا وصل الحوار لطريق مسدود؛ فيُجلب طرفًا موثوقًا به وغير منحاز كي يقدم حلًا للمشكلة".
ونصحت الأخصائية النفسية الزوجة بطلب استشارة من أصحاب الاختصاص من المستشارين في العلاقات الأسرية إن تعقد الأمر.
ولدى سؤالها عن الفرق بين الزوج غير المنظم وغير المسؤول، قالت: "غير المنظم يفتقد القدرة على إدارة الوقت وإدارة ماله أيضًا ويمكن أن تكون مهامه وانشغالاته كثيرة، أما غير المسؤول فهو يتلكأ في القيام حتى بأبسط التكاليف والمهام المطلوبة منه".
