مع ساعات الصباح الأولى تنطلق برفقة شقيقها إلى أرضهما الزراعية التي تبعد عن البيت مسافة خمسة كيلوات، حاملين روحيهما على أكفهما ويسيران بهما متجاوزين شارع خط 90 الذي يتعمد فيه المستوطنون افتعال حوادث السير ضد الفلسطينيين في أثناء ذهابهم إلى أراضيهم الزراعية، هذا إلى جانب مخاوفهما من الوصول إلى الأرض في قرية بردلة بالأغوار الشمالية فيجدان جنود الاحتلال الإسرائيلي قد عاثوا فيها فسادًا في أثناء تدريباتهم العسكرية.
المزارعة سحاب نايف صوافطة (48 عامًا)، تشهد على اعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال منذ كانت ترافق والدها المزارع إلى الأرض.
تقول لصحيفة "فلسطين": "استطعت خلال سنوات طويلة من العمل في الزراعة إتقان فنونها على يد والدي الذي عشق الأرض والارتباط بها كما أنا الآن رغم اعتراض المستوطنين لنا على الطريق وعودتنا أدراجنا في كثير من الأحيان وتكبدنا خسائر فادحة، إلا أني آثرت إكمال مشواره الزراعي مع شقيقي، وباتت الأرض بالنسبة لي الحياة والروح والعرض، فهي بمنزلة كنز ثمين يجب الدفاع عنه".
اختارت "سحاب" أن تكون مزارعة تزرع وتحصد وتنفذ مشاريع بعد أن اكتسبت خبرة عملية في المجال، وانتسابها للعديد من الجمعيات، والمشاريع التي تمكن المرأة اقتصاديًّا.
تستذكر أنها عندما كانت ترافق والدها في الأرض كان يزرع ما يقارب 15 دونمًا، ولكن مع مرور السنوات تقلصت المساحة شيئًا فشيئًا بسبب عمليات المصادرة الاستيطانية وابتكار الاحتلال أساليب جديدة في التنغيص على الفلسطينيين، هذا إلى جانب مشكلة المياه التي تواجههم بفعل سيطرته على آبار المياه، إذ إنه يعطي حصة المستوطن في اليوم الواحد 300 لتر في اليوم، مقابل 20 لترًا للفلسطيني، و60 كوبًا للمزارع.
وإذ يقف الاحتلال للمزارعين بالمرصاد سواء في طريق وصولهم للأرض ومنعهم من الوصول سواء بالحواجز أو التدريبات العسكرية، تقول سحاب: "معاناتي مضاعفة فمزرعتي ملاصقة للجدار وأعمل بكل قوة للحفاظ عليها وإفشال مخططات الاحتلال بمصادرتها وتهويدها".
وتضيف: "ليس هناك أسوأ من أن تصل إلى أرضك الزراعية وتجد آثار بساطير الجنود فوق الشتلات الزراعية التي لا تزال تشق طريقها والتي نعمل على رعايتها كطفل صغير، ووجود مخلفاتهم على الأرض، وأحيانًا يقومون بضرب النار علينا لتوجسهم بأي شيء، فكل الوقت الذي نقضيه في المزرعة والخوف والقلق يملأ قلوبنا، أو حتى تعمدهم يوم الحصاد بإغلاق الحواجز ومعبر بيسان حتى لا تصل إلى التجار في الداخل المحتل ويتم بيعها بخسارة بأسواق القرية".
وتذكر أن الاحتلال صادر ما يقارب 3500 دونم زراعي لعدة عائلات في القرية.
ورغم كل المعاناة التي تواجهها كمزارعة في الضفة فإنها توجه "سحاب" رسالة لكل امرأة فلسطينية في يومها العالمي بأن تكون مبادرة وصاحبة بصمة وتواجهه كل التحديات والظروف التي يفرضها الواقع الفلسطيني.
وبخلاف سحاب، لم تعمل أسرة فريال جميل صواطفة في مهنة الزراعة، لكنها بعد أن عملت في مشاريع كثيرة اختارت هذا المجال الذي يعزز انتماءها للأرض، ويقوي ارتباطها فيها بعد الأحاديث التي سمعتها من أجدادها عن كيفية سيطرة الاحتلال على أراضيهم وطردهم منها قسرًا.
تشير فريال (47 عامًا) إلى أن عمل المرأة في الزراعة ليس سهلًا، خاصة في بلاد تعيش تحت وطأة الاحتلال ولا يفرق بين رجل أو امرأة أو حتى طفل، قائلة: "ولكن المساعي التي يطمح الاحتلال إلى تنفيذ مخططاته هي ما تزيد ارتباطي وتعلقي في الأرض، فرغم أني لا أمتلك أرضًا إلا أني استأجرها في المواسم زراعية، أو أعمل بالأجرة فيها".
وتتكبد فريال معاناة كبيرة في الوصول إلى الأرض التي لا تستغرق للوصول إليها سوى 20 دقيقة سيرًا على الأقدام أمام الحواجز الإسرائيلية الطريق الواصلة إليها، كما أنها تتعرض لحوادث بشكل شبه يومي لإطلاق النار عليها لكونها محاذية للجدار، هذا عدا عن التعب والإرهاق الذي يعيدها في اليوم التالي بكل همة ونشاط.
وتنتظر فريال بفارغ الصبر أن ينتهي الموسم ويدها على قلبها خوفًا من أن تأتي في صبيحة أحد الأيام، وتجد آثار الجرافات والدبابات العسكرية على الزرع، أو أنابيب المياه بعد قضاء الجنود ليلة في الأرض كمستراح لهم، متابعة: "فلا يحلو لهم الجلوس والتدريب إلا في الأراضي الزراعية لأجل التنغيص علينا".
حينها لا يكون بوسعهم إلا قول "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ومع ذلك تتمسك بيدها وأسنانها في الأرض رغم كل المشاكل التي تواجهها والمنغصات.