مرض يجتاح جسده الهزيل منذ أعوام، ووجع مضاعف يسكن العائلة في ظل حالة العجز عن تقديم أي شيء للوالد الذي يعيش فصول الموت البطيء في سجون الاحتلال العنصري، بسبب سياسة إهمال طبي قادت لاستئصال أجزاء من المعدة.
الأسير موفق عروق (78 عامًا) من بلدة يافة الناصرة في الداخل الفلسطيني، يقضي حكمًا بالسجن 30 عامًا لنشاطه المقاوم في نقل شابين نفذا عملية استشهادية عام 2003.
قضى عروق من محكوميته (19 عامًا)، وقبل عامين أصيب بسرطان المعدة، خضع إثره لجرعات من العلاج الكيماوي التي لم يتحملها جسده الضعيف الذي لا يتجاوز وزنه 50 كيلوغرامًا.
لم يستطع الأسير المسن استكمال رحلة العلاج، فخضع لعملية استئصال أجزاء من المعدة قادت لظهور أعراض مرضية جديدة، كالنزيف الدموي من الأنف والفم، والتقيؤ الدائم، وفقدان الشهية مع التراجع في الوزن، تخبر ابنته نهى.
تحاول الابنة ألا تفوت الزيارة الشهرية لوالدها في محسبه، للاطمئنان على صحته وإطفاء شوقها لاحتضانه.
تقول نهى: "يحاول والدي خلال الزيارة التعالي على أوجاعه، ليظهر كما يحب أن نراه قويًا وسندًا لنا حتى وإن باعد الاحتلال بيننا".
تضيف متسائلة: "أيعقل أن يكون والدي في هذا العمر خلف قضبان حديدية، يعاني الألم ألف مرة في اليوم ولا يجد عائلته حوله تخفف عنه وتأخذ بيده؟ فالوضع الصحي لوالدي أوصلني وأشقائي للعيش في أزمة مضاعفة بسبب بعده عنا، فهو مسن لا يتلقى العلاج أو حتى الرعاية المناسبة".
مرت على عائلة عروق أيام لا يعلم بها غير الله، تحولت فيها أعينهم إلى جمر أحمر من كثرة البكاء على والدهم الذي لا يعرفون مصيره بفعل تكتم الاحتلال على وضعه الصحي، ورفضه دخول أطباء فلسطينيين للكشف عنه، "قضينا أيامًا طويلةً بحثًا عنه في السجون والمستشفيات الإسرائيلية فترة إجرائه عملية استئصال أجزاء من المعدة".
تتابع: "قبل إجراء العملية الجراحية تكتم الاحتلال على وضع والدي الصحي، ولم يخبرنا باسم المشفى الذي يقيم فيه حتى علمنا بعد رحلة بحث استمرت لأيام بوجوده في مستشفى برزلاي في عسقلان (...) وجدناه تحت حراسة مشددة ومنعنا من الدخول والاطمئنان على صحته".
تمضي نهى متحدثة عن الحالة النفسية التي تعيشها العائلة: "لا يفارقنا القلق على وضعه الصحي، بتنا نشعر أن جدران البيت تصدعت خاصة بعدما نسمع جملة الله يشفيه بدلًا من الله يفرج عنه وكأن أحد الدعاءين صار أولى من الآخر، هذا عدا عن تأثر حياتنا اليومية وعلاقتنا بأبنائنا وأزواجنا وعدم قدرتنا على السيطرة عليهم ومتابعتهم حيث نعيش معاناة الأسر مع والدنا".
وخلال فترة الاعتقال تنقل الأسير موفق بين عدة سجون من سجن "إيشل" في بئر السبع إلى النقب الصحراوي، فسجن "هداريم" و"جلبوع" و"عسقلان" لتكون محطته الأخيرة في عيادة معتقل الرملة الذي لا تتوافر في أدنى المقومات للرعاية الصحية.
وتذكر نهى أن والدها عندما اعتقل لم يكن يشكو وجعًا، "دخل السجن متمتعًا بصحة ممتازة ولياقة بدنية عالية، أما اليوم فقد وهن الجسد وتآكل خلف القضبان بعدما أصابه السرطان".
وفي آخر زيارة لوالدها قال لها: "المرض الذي أعاني منه شبح قد يقتلني أو أقتله، مو بكفي السجن بقتلني فلن أدع المرض يقوى عليّ، بإذن الله سأموت وأنا حر".
وللأسير المسن موفق عروق 21 حفيدًا من خمسة أبناء، أما سادسهم الأصغر فلا يزال يرفض طلب أمي بتزويجه بعدما تجاوز عمره الثلاثين عامًا، ويرفض الإقدام على هذه الخطوة إلا بحضور والده، "ولكن يملأ الخوف والقلق قلوبنا من فقدانه وهو في داخل السجن على سرير المرض قبل أن يعانق الحرية التي يتمناها".