تُصرُّ السلطة في رام الله على مواصلة إقصاء أيّ دورٍ لفلسطينيّي الخارج البالغ تعدادهم قرابة سبعة ملايين نسمة، مُوزّعين على عددٍ من الدول العربية والأوروبية، ويمثّلون امتدادًا لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من أراضيهم بفعل إجرام العصابات الصهيونية عام 1948.
هذا الإقصاء لم يكن وليد اللحظة، إذ إنه "مُدبّر" منذ أكثر من ربع قرنٍ ضمن رؤيةٍ إسرائيليةٍ تبنّتها السلطة تجسّدت في توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وصولًا للقضاءِ على أبرز الملفات الشائكة في القضية الفلسطينية ومنها اللاجئون في دول الشتات، وفق مراقبين.
يقول أمين العلاقات الدولية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيّي الخارج د. ربحي حلوم: إنّ السلطة اختطفت منظمة التحرير التي تُعد البيت الشامل للشعب الفلسطيني وفق قوانين تأسيسها، ووضعتها في "ثلاجة الموتى".
وبيّن حلوم في اتصال هاتفي مع صحيفة "فلسطين" أنّ السلطة التي تشكّلت وفق اتفاق أوسلو "الكارثي" اقتصرت كلمة الشعب الفلسطيني على الضفة الغربية وقطاع غزة دون الأخذ بالاعتبار أنّ أكثر من نصفه في الشتات.
وأوضح أنّ اتفاق "أوسلو" المكون من 7 صفحات الذي قاده "عرّاب التنازلات محمود عباس" نصّ على أنّ أيّ سلطة تقوم في فلسطين لا تُمثّل إلّا فلسطينيّي الضفة والقطاع، مُشيرًا إلى أنّ هذا النص مُكرّرٌ 17 مرة في الاتفاق.
واعتبر وضع عباس هذه العبارة في الاتفاقية إقرارًا عن سابقِ إصرارٍ أنّ فلسطينيّي الخارج ليسوا فلسطينيين، ما يعني شطب حقّ 7 ملايين فلسطيني في الشتات، وتنفيذ ذلك على أرضِ الواقع.
وبحسب حلوم، فإنّ اختطاف المنظمة وعدم تمثيل فلسطينيّي الخارج يندرج ضمن اتفاق بين السلطة والاحتلال بطيِّ صفحة منظمة التحرير وشطبِها بالمطلق، كونها العنوان الرئيس للفلسطينيين، مُردفًا أنّ هناك قرارًا إسرائيليًّا بشطبها، لذلك اعتبرها عباس أحد دوائر السلطة، وهذا ضرب بعرضِ الحائطِ للميثاق الوطني وكلّ الثوابت الفلسطينية.
وأوضح أنّ مِن بين فلسطينيّي الخارج مَن اقتلعه الاحتلال وعصاباته من أرضه، وآخرين هاجروا طلبًا للعيش، لذلك ليس من حقّ عباس وغيره شطبهم من خارطة المُكوّن الفلسطيني.
برلمان الشتات
ولم يقف فلسطينيو الخارج مكتوفي الإرادة أمام تغوّل السلطة على المنظمة وشطب تمثيلهم فيها، إذ دأبوا على تأسيسِ مؤتمر فلسطينيّي الخارج الذي عقد أول مرة عام 2017 بحضور ما يزيد عن 6 آلاف مُشاركٍ من مُختلف الدول العربية والأجنبية، ومرة أخرى نهاية فبراير/ شباط الماضي في مدينة إسطنبول التركية.
ويسعى فلسطينيو الخارج عبر هذا الحراك لإيجادِ برلمانٍ لهم في الشتات في ظلّ تهميش السلطة لهم قصدًا، لإبرازِ مواقفهم وتحصينِ القضية الفلسطينية وتمكينهم من التعبير عن مواقفهم فيما يتعلق بقضيّتهم.
وأفاد حلوم بأنّ عقد المؤتمر جاء لإيصال رسالة للعالم أنّ نصف الشعب الفلسطيني موجود في الخارج ولا يُمكن تهميشه وسلب حقّه في أرضه، وأنه جزء أساس من مكوّنات القضية، مُؤكّدًا رفضه لمُحاولاتِ السّلطة تقسيم وتشتيت الفلسطينيّين الذين يعيشون في نفس القضية والهم.
وقال: "ماضون مع شعبنا في فلسطين المحتلة لدعم خط المقاومة ومواجهة كلّ المؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية، ولن نسمحَ للاحتلال بتصفيتها ولا لمن سمح لنفسه أن يكون ذراعًا له".
قضية واحدة
ولفت أستاذ القضية الفلسطينية في الجامعات العربية المُقيم في الأردن د. أحمد نوفل إلى أنّ منظمة التحرير أُنشأت عام 1964 لتحرير فلسطين وتمثيل كلّ الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده.
وأكد نوفل في اتصال هاتفي مع "فلسطين" أنّ الشعب الفلسطيني وحدة متكاملة لكنّ الظروف السياسية وسياسات السلطة أدّت إلى تشتيته، مُشيرًا إلى أنّ ذلك بدأ منذ توقيع اتفاقية "أوسلو".
وشدّد على أنّ فلسطينيّي الشتات جزءٌ أصيلٌ من الشعب الفلسطيني، ويتجاوز عددهم 7 ملايين، مُشيرًا إلى أنّ اتفاق "أوسلو" نصّ على تمثيل منظمة التحرير لكلّ الفلسطينيين، إلا أنّ فريق السلطة استحوذ عليها وبدّدها.
وأضاف أنه "لا يُمكن للسلطة ولا المنظمة أو أيّ كيانٍ آخرَ أن يُجزّئ الشعب الفلسطيني، لأن المشروع الوطني وحدة واحدة"، لافتًا إلى أنّ المؤتمر الشعبي جاء ليعيدَ ارتباط فلسطينيّي الخارج مع الداخل والتأكيد على الوحدة.
ورأى أنّ هدف السلطة من إقصاء فلسطينيّي الخارج هو تهميش قضية اللّاجئين واعتبارها في درجة ثانية بالنسبة للقضية الفلسطينية "وهذا أمرٌ مرفوض"، داعيًا إلى ضرورة إعادة التركيز على أنّ القضية واحدة ولا تفرّقها أيّ سلطةٍ سواء عربية أو غيرها.