يتضح من التصريحات المتعددة التي أطلقها القادة الروس وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، أن المخطط الروسي يتجه نحو تحقيق عدد من الأهداف الآنية والمستقبلية التي يمكن تلخيصها في الآتي:
- فرض استقلال ما تسميه موسكو جمهورية دونيتسك ولونانسك اللتين يقودهما من أعلنوا التمرد على الجمهورية الأوكرانية وعلى قيادة البلاد في العاصمة كييف، والذين يدعون أنهم يتعرضون منذ 8 سنوات لقصف ممنهج ومتواصل، وعمليات اغتيال للنشطاء في هاتين المقاطعتين ويقولون إن عدد القتلى بات يفوق 2600، أما عدد الجرحى فيقدر بالآلاف حسب ادعائهم، كما أنهم يتهمون الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد قيادة كييف بأسلحة نوعية وفتاكة للرد على هذا التمرد بل ويعملون على إدخال أوكرانيا أولاً في الاتحاد الأوروبي ومن ثم حلف "النيتو" كما جرى مع دول ما كانت تُسمى منظومة دول أوروبا الشرقية التي كانت تتحرك في مدار الإتحاد السوفيتي قبل تفككه عام 1990 ومن بين هذه الدول بلغاريا ورومانيا وبولندا وغيرها والتي تم ضمها للاتحاد الأوروبي وللنيتو كما نشرت واشنطن الأسلحة الفتاكة فيها إلى جانب الصواريخ الباليستية التي تهدد على نحو خطير الدولة الروسية.
- تدمير البنى التحتية العسكرية الأوكرانية إلى الحد الذي تخرج أوكرانيا من دائرة التهديد المحتمل لروسيا لأطول فترة ممكنة يقدرها المراقبون بربع قرن على الأقل.
- كما تخطط موسكو أيضا لإسقاط الحكم في كييف وفرض نظام موال وإطالة أمد حكمه بالدعم العسكري والاقتصادي ما أمكنها ذلك.
- وتسعى موسكو لفرض ما قد بات معلناً اليوم، بأنها لن تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف النيتو بأي حال وتتعاطى مع هذا الأمر على أنه دفاع عن وجود روسيا نفسه ومهما كلف الأمر، وتعتقد موسكو بأن الوقت مناسب تماماً لفعلتها تلك رغم التكاليف الباهظة لهذا الغزو والذي يتعدى المليارات بعد مرور بضعة أيام فقط على هذا الغزو متعدد الفصول.
وتستند موسكو في ذلك على الاعتقاد بأن واشنطن لم تعد قائدة العالم وأن أحادية القطب على المستوى الكوني قد أصبحت خلفنا، وتستذكر في هذا السياق ما تم في جورجيا وكذلك ضم شبه جزيرة القرم الذي قوبل بصمت الإدارة الأمريكية الديمقراطية للرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وتشير التقارير الروسية، أن ما يشجع موسكو على الاقدام على هذه المغامرة الدموية المكلفة هو الانسحاب الأمريكي المذل ومعه قوات النيتو من أفغانستان بعد عشرين عاماً لم تنجز فيها أهدافها في إنهاء حركة طالبان، بل إن واشنطن قامت بتسليم البلاد لهذا العدو وبعد مباحثات ماراثونية امتدت ردحاً من الزمن في العاصمة القطرية الدوحة.
- كما تأمل روسيا بأن تفرض تداعيات هذا الغزو إخراج حلف النيتو من عدد من دول أوروبا الشرقية وبالتالي تفكيك ما ينتشر على أراضيها من صواريخ تؤكد موسكو أن لها رؤوساً نووية.
ما يجري اليوم من تطورات درامية على الأرض الأوكرانية والتي يقف العالم كله بانتظار تطوراتها وما يمثله من رعب من استخدام السلاح النووي للمرة الثانية بعد ذاك الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في اليابان عام 1945 ليحرمها كشريك لدول المحور في الحرب العالمية الثانية ويفرض توقف الحرب، يُذَكِرُ أيضاً بأزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا، أو أزمة الكاريبي عام 1962 وقد كانت من أشد المواجهات خلال الحرب الباردة وقد كادت تؤدي إلى قيام حرب نووية انتهت إلى اتفاق سحب روسيا لصواريخها من كوبا، والولايات المتحدة بسحب صواريخها من تركيا وأن لا تغزو أمريكا كوبا.
وكانت روسيا قد أعدت لما يجرى الآن بزيادة التعاون مع أوروبا وتوسيع المصالح الاقتصادية معها وكان آخرها مد خط "نورث ستريم" إلى ألمانيا بتكلفة ناهزت 13 مليار دولار، هذا الخط التي تعمل موسكو على التأسيس لمعادلة في غاية الأهمية لتعاون اقتصادي هائل خاصة وأن ألمانيا تشكل القاطرة لأوروبا، وقد لوحظ رفض برلين مقاطعة روسيا وقد أكدت أن الطاقة الروسية هي عنوان الصناعة الألمانية وأنها لن تستغني عنها مما أثار الغضب الأمريكي وخلق شرخاً فعلياً في قدرة واشنطن على توحيد أوروبا خلفها في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا.
لقد شجع روسيا للإقدام على غزو أوكرانيا إعلان الولايات المتحدة أنها لن تدخل في صدام مع روسيا، وأنها لن ترسل قوات إلى كييف، كما أعلن حلف الأطلسي أنه لن يقيم مناطق محظورة الطيران فوق أوكرانيا لأن هذا يعني الاحتكاك المباشر مع سلاح الجو الروسي، وسيقود إلى حرب أكيدة وقد تتطور إلى صراع نووي يقضي على البشرية.
ومما أثار روسيا كذلك، إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكي "إننا نصنع قنبلة نووية في أوكرانيا، ونحن نستعد لذلك"، وقد استخدمت موسكو هذا الإعلان خير استخدام لتبرير هذا الغزو الواسع والذي شل كل القدرات الدفاعية الفعالة للجيش الأوكراني وكذلك البُنى التحتية العسكرية ووسائط الدفاع الجوي.
ما يجري على الجبهة الروسية/الأوكرانية يرعب بل ويقلق إلى حد كبير قادة العدو، ويعلق في هذا السياق اللواء احتياط اسحق بريك الذي قاد في الماضي الفرقة النظامية 36 والفيلق الجنوبي 441، وقاد كليات عسكرية، وعمل لعشر سنوات كمفوض لشكاوى الجنود، يقول الجنرال "كل من يتابع هجوم روسيا على أوكرانيا لا يمكنه إلا أن يكون قلقاً جداً، ففي الوقت الذي بنى فيه الروس جيشاً برياً قوياً انطلاقاً من الفهم بأنه لا يمكن الدفاع أو الهجوم والانتصار من دونه، وفي نفس الوقت طوروا صواريخ وقذائف صاروخية دقيقه وطائرات، فضلت فيه أوروبا تقليص ميزانياتها في الجيوش البرية والاعتماد على قدراتها التكنولوجية التي لن تكون قادرة على التعامل مع الدب الروسي، ويضيف الجنرال بريك، "لذا يقف حلف الأطلسي عاجزاً أمام الهجوم الروسي على أوكرانيا".
ويختم، بأن هذا يحدث أيضاً وبالضبط في "تل أبيب" حيث تعاظمت قوة الأعداء المحيطين بدولة الاحتلال في السنوات العشرين الأخيرة، وامتلكوا مئات آلاف الصواريخ والقذائف الصاروخية وآلاف الطائرات المُسيرة وفي الوقت نفسه تعززت كثيراً قواتهم البرية.
ويدلل على ذلك، بأن سوريا عادت إلى الساحة بدعم الروس والايرانيين، والجيش المصري تحول إلى أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، وحزب الله في لبنان لديه أكثر من 10 آلاف مقاتل منضوين في 13 فوجاً وحماس في غزة لديها أكثر من 6 آلاف مقاتل، في الوقت الذي قلص فيه جيش الاحتلال قواته البرية إلى حد كبير جداً لن يمكنه من العمل على أكثر من جبهة مع أن المعارك المقبلة ستكون متعددة الساحات.
هكذا يقرأ العدو دروس الغزو الروسي لأوكرانيا، وعلينا نحن تدبر هذا التطورات المحيطة بنا وكيف نعد العدة ونحصن الجاهزية، ونحن نعلم أن رئيس أوكرانيا ورئيس وزراءه هما يهوديان صهاينة بل ويحملون جنسية كيان العدو ولهما فيض من التصريحات ضد مقاومة الشعب الفلسطيني وآخرها التأييد منقطع النظير للعدوان الصهيوني البربري على قطاع غزة إبان معارك سيف القدس المجيدة، في الوقت الذي بدأ فيه الكيان الاستيطاني في استقبال الآلاف من يهود أوكرانيا ليحقنوا في جسده المتداعي بعض الحياة.