تثبت مطالبات الفصائل بإصلاح منظمة التحرير، وترتيب أوضاعها الداخلية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن المنظمة ومؤسساتها تواجه إشكاليات كبيرة منذ سنوات طويلة، دفعت هذه القوى بزيادة وتيرة المطالبات بعد عقديْن على اتفاق (أوسلو) والذي شكل بداية النهاية للمنظمة، كما يرى مراقبون.
وتأسست منظمة التحرير المعترف بها في الأمم المتحدة والجامعة العربية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، عام 1964 بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس المحتلة.
وتبنت المنظمة بعد تأسيسها مبادئ وطنية تشمل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والتصدي لخططه الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، لكن بعد مرور سنوات وصولاً إلى اتفاق (أوسلو) عام 1993، قدمت المنظمة تنازلات كبيرة حتى وصلت مرحلة أصبحت فيها لا تتعدى أنها مجرد غطاء يمنح الشرعية للمنظمة.
قرار بقانون
وقال الكاتب والمحلل السياسي د. نشأت الأقطش، إن المنظمة أصبحت مجرد بند مالي للسلطة، خاصة بعد إصدار رئيسها محمود عباس قرارًا بقانون، عدَّها إحدى مؤسسات السلطة.
وأرجع الأقطش في حديث لصحيفة "فلسطين"، ذلك إلى عدة عوامل أبرزها حصار الأنظمة العربية، والذي جعل المنظمة تقبل بأي حل رغم رفضها في مراحل سابقة عروضًا سياسية أفضل مما قدمته (أوسلو).
وبيَّن أن (أوسلو) قدمت أقل بكثير مما قدم في عروض سياسية سابقة في سبعينيات القرن الماضي، ولم تقبل بها المنظمة لأنها كانت عبارة عن جسم ثوري وفيها قيادات تاريخية ترفض التنازل عن أي ثابت من الثوابت، لكن بعد انتهاء حرب بيروت وخروج المنظمة منها بدأ الحصار المالي والسياسي عليها حتى وصلت إلى حد القبول بأي شيء من أجل البقاء.
ومن أبرز العوامل التي أوصلت المنظمة إلى هذا الحال، وفق الأقطش، أنها أصبحت حكرًا على فصائل وتمنع فصائل أخرى من دخولها، وتهيمن عليها فتح، وما وصلت إليه فتح ينعكس على المنظمة تمامًا.
ونبَّه إلى أهمية التوافق على إجراء انتخابات مجلس وطني، من شأنها تغيير تركيبة منظمة التحرير وإعادتها إلى المربع الأول، لكن ذلك يبدو صعبًا في ظل الوضع الحالي.
والسنة الماضية، عطل رئيس السلطة إجراء انتخابات شاملة؛ تشريعية، ورئاسية، ومجلس وطني، الأمر الذي قوبل برفض وإدانة شعبية وفصائلية ومجتمعية واسعة، لا زال صداها يتردد حتى اليوم.
من جهته، قال الكاتب والباحث السياسي مجدي حمايل، إن المنظمة ورغم كونها ممثلاً للشعب الفلسطيني ولها جماهير عريضة سابقًا، إلا أنها أصبحت الآن بحاجة إلى إصلاح وإدخال مكونات جديدة لها تتمثل بالقوى الوطنية والإسلامية التي لا تنضوي تحت إطار المنظمة.
وبيَّن حمايل لـ "فلسطين"، أن اتفاق (أوسلو) كان من أكثر الأسباب ضررًا بمنظمة التحرير، وقد عارضته فصائل من داخل المنظمة، وخاصة فصائل يسارية.
وأضاف: حتى تكون المنظمة ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني يجب إشراك جميع الفصائل، متهمًا حركة فتح بـ "وضع العراقيل" في الحوارات الهادفة إلى انضمام باقي الفصائل للمنظمة، وذلك لبسط هيمنتها على المنظمة.
وتابع: أن "العديد من الفصائل اليسارية تنادي بإصلاح المنظمة وإشراك كل الفصائل الفلسطينية، ولا يمكن أن تحظى أي منظمة تحرير بشرف تمثيل الشعب الفلسطيني دون انضمام حماس والجهاد وغيرها من القوى الوطنية والإسلامية".
وبيَّن أن "حركة فتح حولت المنظمة إلى دائرة للسلطة، تمامًا كما حصل مع وزارة شؤون الأسرى والمحررين، والتي تمَّ اختزالها بهيئة لشؤون هؤلاء".
وأضاف أن المنظمة حاليًا خالية من مكوناتها الفصائلية، إذ لا تضم حماس والجهاد وتقاطعها الجبهة الشعبية وفصائل أخرى، وأضاف حمايل أن المنظمة لم تعد تمثل الكل الفلسطيني.
ومؤخرًا، أصدر عباس قرارًا بقانون يقضي بإدراج منظمة التحرير ودوائرها ومؤسساتها ضمن دوائر دولة فلسطين، وأثار ذلك موجة ردود فعل مناوئة من الفصائل وأوساط فلسطينية.
مشكلة من؟!
من جهته، عدَّ عضو التجمع الديمقراطي الناشط السياسي عمر عساف، أن المشكلة ليست في المنظمة، وإنما في الذين يختطفون هذه المنظمة، وهي لها ميثاق وآلية عمل وأسس ينبغي التمسك بها وتطبيقها.
وأضاف عساف لـ "فلسطين"، أن الإشكالية تتمثل بأشخاص يختطفون المنظمة، وينبغي تحريرها من مختطفيها، لأن المنظمة وفق ما أكدته قوانينها ومواثيقها، هي لكل شعبنا، وكل فلسطيني حيثما تواجد هو جزء من هذه المنظمة.
وتابع بأن وجود المنظمة مطلوب بالنسبة للسلطة، وذلك لتمرير مشاريع عملية وخطط وأهداف تلبي مصالح أفراد يتولون قيادة المنظمة والسلطة في رام الله في نفس الوقت.
وأكمل: أن فريق "أبو مازن" ومن معه في السلطة يريدون الإبقاء على اختطاف المنظمة لاستخدامها من أجل تمرير مشاريع عملية تحظى برفض واسع من قِبل الشعب الفلسطيني.
واستدرك عساف أن المعركة يجب ألا تكون مع المنظمة أو ضدها، بل يجب انتزاعها من قيادتها الحالية وقد أصبحوا لا يمثلون شيئًا عمليًا، ومعزولين".
وأكد أن "القوى والفعاليات والشخصيات والاتحادات التي تعارض سياسة عباس وفريقه، كبيرة جدًا، ومطلوب منها أن تضع خططًا وأن تلتقي وتجتمع لتشكل تحالفًا من أجل استعادة المنظمة ودورها".