فلسطين أون لاين

تقرير ورشة ازحيمان في وادي الجوز.. وجود تاريخي يُجتث بجرة قلم

...
وادي الجوز
غزة/ هدى الدلو:

"هنا بيتي الثاني، قضيت طفولتي وشبابي بجانب والدي، تربيت في أروقة هذا المحل، بقي والدي يوصيني بالورشة التي كانت جزءًا من روحه إلى أن توفاه الله (...) لم يعمل فيها عاما أو عامين بل منذ عام 1963".

بهذه الكلمات، استهل المقدسي لؤي ازحيمان (52 عامًا) الذي سلمه الاحتلال مؤخرًا إخطارًا بإخلاء ورشة تصليح السيارات في القدس المحتلة.

يقول ازحيمان لصحيفة فلسطين: "هذه الورشة تعمل منذ 86 عامًا، أي قبل أن توجد دولة الاحتلال العنصرية.. هذه السنوات الطويلة كفيلة أن توطد علاقة قوية بيننا وبين المكان، ليأتي الكيان العنصري في ظرف يوم وليلة ويصدر قرارًا بإخطار لإخلاء المحل تمهيدًا لهدمه، ففي أي قانون هذا يطبق؟!"

يعيل الرجل الخمسيني عائلة من خمسة أفراد، ويخبر أنه كان يرى في أعين والده مدى تعلقه وارتباطه بالمحل والمهنة التي يعمل بها في تصليح السيارات.

يضيف: "كنت أحب ملازمته لاستكشاف السر الكامن بينهما، أرافقه في الورشة خلال أيام العطل الصيفية وقد حاولت إقناع والدي بترك المقاعد الدراسية ومساعدته في الورشة ولكنه رفض حتى أنهي الثانوية العامة. بعدها سمح لي بذلك وتفرغت للعمل معه، حينها أدركت سر تعلقه بهذا المكان.. هاد القدس مش أي مكان".

ومنذ أن بدأ العمل في الورشة ارتبط ازحيمان بها وجدانيًا، وصارت الهواء الذي يتنفسه وله فيها ذكريات جميلة ارتبطت بوالده والمحل والمكان.

ويمضي بالقول: "كان أبوي دايمًا يحاول أن يصف الحياة في القدس والهدوء والسكينة وهداة البال التي سادت القدس حتى احتلت".

ويوضح ازحيمان أن مساحة الورشة لا تتجاوز 180 مترًا مربعًا يدفع مقابلها ضرائب للكهرباء والمياه والمساحة "أرنونا" ما يقارب 20 ألف شيقل في العام الواحد، إلى جانب ضريبة الدخل والقيمة المضافة، والتأمين الوطني وغيرها، هذا إلى جانب طبيعة الحياة والواقع الاقتصادي في القدس.

وبالرغم من ذلك إلا أن أحاديث والده عن ذكرياته في المكان يجعله يعشق أرض القدس، "فهي الروح والدم التي تسري في جسدي، فلا يمكن أن أستغني عن المكان، كمان أنه إحياء لذكرى والدي ومصدر الدخل الوحيد لأبنائي ووالدتي".

وبمجرد استلام ازحيمان لورقة الإخطار لم يستطيع وصف الحالة التي أصابتها، أو التعبير عن مشاعره، فقد شعر وكأنه فقد أحدًا اجتث كبده.

ويشير إلى أنه ليس بيده فعل شيء إزاء القرار سوى الاعتراض الوقتي عليه، "رغم أنه قانونيًا يحق له الاعتراض خلال فترة ثلاثة أشهر، ولكن عندما يكون غريمك هو القاضي والحاكم فما لنا سوى الله، والصمود في وجه قراراتهم بعزيمة وإرادة، وأقاتل حتى آخر نفس".

ولا يعرف ازحيمان كيف سيكون مصيره وعائلته بعد الإخطار الذي تسلمه، آملًا بفرج قريب من الله لحاله وحال المقدسيين، متابعًا: "فكل فلسطيني يعيش في هذه المدينة يتوقع أن تصله قرارات جائرة من الاحتلال الذي يسعى لتنفيذ مخططاته في تفريغ المدينة من أهلها وتنفيذ مخططاتهم بفرض قوته العسكرية".

وبسبب قانون "كمينتس" المصدق عليه أواخر عام 2017 "تعديل رقم 116 لقانون التنظيم والبناء" قد وضع شروطا تعجيزية لتمديد أوامر هدم المنازل بحجة عدم الترخيص، ولذلك ستشهد القدس خلال الأيام والأشهر المقبلة أرقامًا قياسية للهدم، قد تصل إلى 250 منزلا ومنشأة نصفها تقريبا في جبل المكبر، في ظل عجز المقدسيين على إيجاد حلول قانونية لإيقاف تلك القرارات بحقهم.

وتعتزم بلدية الاحتلال في القدس تنفيذ مشروعين ضخمين على أنقاض نحو 180 منشأة للمقدسيين بالمنطقة الصناعية في وادي الجوز، الأول سيكون امتدادا لمشروع "مركز مدينة القدس الشرقية" والآخر "وادي السيليكون".

وتروج بلدية القدس الاحتلالية لمشروع "وادي السيليكون"، في المنطقة الصناعية على أنه مشروع "الهايتك" ذو التقنية العالية الأضخم في القدس، الذي سيبنى على مساحة 200 ألف متر مربع، لإنشاء أماكن تشغيل في مجال التقنية العالية لـ10 آلاف خريج وأكاديمي مختص من المقدسيين.

وتبلغ مساحة الأراضي التي من المفترض أن يقام عليها مشروع "وادي السيليكون" نحو 30 دونما، أما الأرض التي يعتزم الاحتلال ضمها إلى مشروع "مركز مدينة القدس الشرقية"، فتبلغ مساحتها 5 دونمات، وتتبع لوقف عائلة الخطيب، ومن المفترض أن تُبنى عليها مبانٍ سكنية تقع أسفلها مصالح تجارية تتجاهل الاستخدام الحالي للمكان بشكل كامل.