مع سقوط أول قذيفة روسية على الأراضي الأوكرانية تحولت لغة الخطاب لدى الاتحاد الأوروبي وكذلك الإدارة الأمريكية إلى لغة غير معهودة فلم تكن هناك أي دعوة لتغليب لغة الحوار وتفعيل العمل الدبلوماسي، كما لم تبادر أي دولة لاحتواء الأزمة وطرح مبادرات لوقف الحرب، إنما كانت اللغة تتسم بالفوقية والتهديد والتلويح بفرض عقوبات قاسية على القيادة الروسية، فضلًا عن الخطوات المتزاحمة لتبني مشاريع قرارات لتجريم السلوك الروسي، وحشد التأييد الدولي لاتخاذ خطوات تصعيدية أخرى تستهدف الدولة والقيادة الروسية في محاولة لممارسة أقصى درجة من الضغط لتقويض العملية العسكرية الروسية وتدفيع الرئيس بوتين ثمن قرار الحرب.
واللافت أن الإدارة الأمريكية هي من (تقود العالم) اليوم لهذه الخطوات بعكس مواقفها اتجاه كافة الحروب التي تعرضت لها المنطقة العربية والعالم الإسلامي وكان آخرها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتورط الاحتلال بجرائم ترقى لمستوى الجرائم الدولية، والتي مارست خلاله هذه الإدارة عنصرية مقيتة وتبنت مواقف غير عادلة عبر: 1/ تبني موقف الاحتلال الإسرائيلي، 2/ وتجريم فعل المقاومة الفلسطينية، 3/ وتعطيل أي خطوة دولية لإدانة الاجرام الصهيوني، 4/ وممارسة ضغوط إضافية على النظام العربي لكبح جماح المقاومة، وذلك لاعتبارات مختلفة أبرزها أن الإدارة الأمريكية لا تلقي بالًا للدماء التي سكبت على الأرض الفلسطينية وإلى حجم الدمار المهول الذي خلفه العدوان إنما هدفها الأساس هو توفير أكبر حماية للعدو الإسرائيلي وتشكيل أكبر مظلة سياسية لجرائمه ووقف أي تضامن دولي مع الفلسطينيين.
وليت الأمر وقف عند هذا الحد فقد تبنى الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية قرارات "بدعم أوكرانيا عسكريًّا" في مواجهة الحرب الروسية وذلك من خلال رصد ميزانيات كبيرة لهذا الغرض فضلًا عن إعلان معظم دول الاتحاد الأوروبي عن نيتها إيصال الأسلحة بشكل مباشر للجيش الأوكراني ومنها صواريخ مضادة للطائرات وقذائف مضادة للدبابات في تبني غير مسبوق لخطوات من هذا النوع، فبعد أن كان دعم أي نزاع عسكري قائم من أي دولة عملا مجرما دوليا وتدخلا غير مشروع أصبح هذا الفعل وفي لحظة فارقة من التاريخ عملا ضروريا في إطار الدفاع عن أوكرانيا.
بينما كان هذا العالم يقطع كل الإمدادات عن الشعب الفلسطيني ويجرم أي دعم للمقاومة الفلسطينية بل ويلاحق كل الداعمين سواء كانوا أشخاصًا أو مؤسسات في انحياز واضح للعرق الغربي والمصالح الأوروبية وأصحاب العيون الزرقاء والذين يعتقد هؤلاء بأن الدم الغربي غالي الثمن بعكس دماء الفلسطينيين وكل شعوب العالم الثالث وفق اعتقادهم، وقد فضحت مواقفهم السياسية وأحاديث مراسليهم هذه العنصرية المقيتة التي تصنف الضحايا وفق اعتبارات غير إنسانية وبعيدة عن الاعتبارات الأخلاقية وتستند للجنسية وللعرق الغربي على أنه الأحق والأولى بالرعاية والحماية الدولية.
فالحرب الروسية على أوكرانيا ومع مرور كل ساعة تكشف عن مدى "التمييز والعنصرية" التي يعيشها العالم والذي يتباكى اليوم على أي قذيفة صاروخية تنطلق لتصيب الأراضي الأوكرانية، ويقيم الدنيا ولا يقعدها تجاه الرقم المحدود من الضحايا، ويسعى لاعتبار ذلك ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة، حتى تسابقت هذه الدول لتقديم عشرات الطلبات للمحكمة الجنائية الدولية؛ لمطالبتها بفتح تحقيق في الجرائم التي ترتكبها القيادة الروسية، وذلك قبل أن ينتهي الأسبوع الأول لهذه الحرب، الأمر الذي يفتح باب التساؤل عن مدى مصداقية النظام الدولي في ظل عدم دعمه أي تحقيق لدى الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين؟! فضلًا عن الجرائم الأمريكية بحق مسلمي أفغانستان، والعراق، وسوريا، وغيرها من البلدان التي دفعت وتدفع ثمن العدوان حتى اليوم.
لكن هذا السقوط للقيم الدولية بعد تعرض دولة أوروبية للحرب سيكون له تبعاته وسيضع هذا العالم على المحك بعد تبنيه مواقف أكثر تطرفا اتجاه الصراع الدائر، وربما يؤسس لمفاهيم جديدة يمكن استثمارها لتحشيد مزيد من الدعم للفلسطينيين، وهذا جزء من الحقوق التي يجب أن نقاتل من أجلها، ومنها: 1/ العمل على دعوة الدول لتوفير الدعم المالي والعسكري للمقاومة الفلسطينية، 2/ دعوة المحكمة الجنائية الدولية لتفعيل التحقيق المتعلق بالجرائم الإسرائيلية، 3/ فرض عقوبات على كيان الاحتلال من قبل الدول التي تصطف اليوم ضد الحلف الأمريكي، 4/ دعوة مسلمي العالم للمساهمة في الدفاع عن القضية الفلسطينية وبذل كل جهد ممكن لحماية القدس والاقصى عبر تشكيل فيلق إسلامي لدعم فلسطين على غرار ما يحدث في أوكرانيا.