قائمة الموقع

"أبو شادوف" .. وحلمها بزفتيْ "نضال" و"إسماعيل"

2022-03-05T08:30:00+02:00
الأسير محمد أبو شادوف (أرشيف)

بعد يوم مرهق في المدرسة عاد محمد أبو شادوف إلى بيته بعد أذان المغرب، وما إن وصل إلى الباب حتى صرخ "أنا تصاوبت"، وإذا بأزيز الرصاص يعلو، ويقتحم جنود قوات الاحتلال الخاصة المنزل، لتفتيشه والبحث عن أخيه إسماعيل.

كان إسماعيل نائما، باغته الجنود بالسؤال: من أنت؟ ليجيب "محمد"، لأنه فطن أنهم أتوا لاعتقاله، صرخ الجندي: "عدلي إخوتك بالاسم"، عد: "نضال، إسماعيل، قسام، طارق، أحمد" وعند محمد صمت.

انسحب الجنود وهم يظنون أن المصاب الذين اعتقلوه هو إسماعيل، أمضى محمد (12 يومًا) داخل السجن، وتُركت عائلة أبو شادوف في حيرة من أمرها حتى أبلغهم الصليب الأحمر أن "الجنود" كانوا يهدفون لاعتقال إسماعيل، وليس محمد.

طورد إسماعيل داخل أزقة وحارات بلدة برقين التي تتبع محافظة جنين، عامًا كاملًا حتى تمكنت قوة خاصة من اعتقاله، وخضع 5 أشهر للتحقيق تعرض خلالها للشبح والتعذيب، تسبب بإصابات جسيمة في يديه، وقدميْه، وعموده الفقري.

وكان هذا الاعتقال في العام 2004 م ، وحكم عليه بالسجن لـ 28 عامًا، قضى منها حتى الآن 18 عامًا، والشهر الفائت أعاد الاحتلال محاكمته ليزيدوا حكمه عاميْن إضافييْن.

في 20 من فبراير حلت ذكرى ميلاد إسماعيل الـ(39)، ولا تزال والدته تحلم باليوم الذي يخرج فيه من السجن وتزفه عريسًا، وتلاعب أطفاله.

استشهد شقيقه نضال أبو شادوف في عملية استشهادية في مدينة "بنيامينا" قرب محطة القطار شمال مدينة "تل أبيب" المحتلة في16/07/2001، وأدت العملية إلى مقتل جندي ومجندة صهيونييْن وإصابة 11 آخرين، ولا يزال جثمانه حتى اليوم في مقبرة الأرقام.

كبر إسماعيل كما أخوته قبل أوانهم، حيث كانوا يخرجون وهم يحملون حقائبهم على ظهورهم ليساعدوا والدتهم في أعمال الزراعة، لأن والدهم كفيف، ومن ثم يتوجهون إلى مقاعد الدراسة.

كانت تقضى أم نضال (63 عامًا) سنوات من عمرها وأبنائها الستة في قبضة الاحتلال، فأصيبت بأزمة صدرية، ومشاكل صحية أخرى بسبب حزنها على أبنائها، وهُدم بيتها في ذات العام الذي استشهد فيه نضال.

أم نضال هي عمة الأسير زكريا الزبيدي، تنتمي لعائلة مجاهدة قضت حياتها بين الأسر، والاستشهاد، وربت أجيالًا على حب الوطن، والدفاع عنه.

كان زوجها أبو نضال كفيفا، ورغم مرضه، ووضعه المادي الصعب، كان يشجع أبناءه على المضي في العمل المقاوم، وضحى براحته وبماله من أجل ذلك.

في أحد الأيام التي اقتحم بها جنود الاحتلال بيت أبو نضال لاعتقال أحد أبنائه، قال له أحدهم "مش عارف تربي أولادك، هي إسماعيل ونضال عنا"، ليرد عليه بتهكم "وليش مغلب حالك خدنا كلنا بالمرة، بنكلفكم كتير كل يوم جايين تقتحموا الدار بالطيارات والدبابات".

حتى صورتيْ نضال، وإسماعيل المعلقة على الحائط ترهبهم، في كل مرة يقتحمون بها بيت والدهم يقومون بتكسير البراويز وتمزيق صورتيْهما، لتعود أم نضال لتعليقهما مجددًا.

كان إسماعيل وهو صغير ينهي دوامه المدرسي، ويتوجه إلى بسطة والده ليساعده في بيع الخضراوات، والفواكه، رغم ضيق الحال كان إسماعيل عزيز النفس، يكد ويشقى من سنوات طفولته الأولى.

تروي أم نضال التي جاء صوتها مخنوقًا عبر الهاتف بسبب معاناته من أزمة تنفسية "كبر إسماعيل وأصر والده أن يكمل الثانوية العامة ليلتحق بالجامعة، ولكنه رفض لأنه يريد أن يساعده في مصروف البيت لأن عدد إخوته كبير، وضحى بتعليمه من أجل أن يعلم إخوته وأخواته الذين أنهى جميعهم تعليمهم الجامعي".

وتابعت: "حتى بعد اعتقاله قال لي يا أمي زوّجي إخوتي وابني لهم بيوتًا من راتبي وأنا مسامحهم".

13 عاما مُنعت خلالها أم نضال وزوجها من زيارة إسماعيل في زنازين الاحتلال، فقد كان يصل زوجها السجن ومن ثم يمنعه الاحتلال من الزيارة ويعود أدراجه والشوق متأجج داخله للقاء فلذة كبده.

قبل عامين توفى أبو نضال وهو لم يشاهد إسماعيل لعام كامل، كانت أمنيته الذي حدث بها جاره قبل وفاته بيوم "لو أشوفه ليلة وحدة قدامي وتاني يوم أموت"، وكان إسماعيل قد تحدث مع أبيه عبر الهاتف من داخل السجن قبل ساعات من وفاته "شد حيلك يابا" ليرد والد " إن شاء الله أزفك يا إسماعيل".

في يناير الماضي زارت أم نضال إسماعيل في السجن، ولاحظت وجود ورم في كفي يديه، سألته عن السبب ليجيبها "في الشتاء أعاني من تفجر في شرايين يدي، وفي أحيان كثيرة تشتد آلام ظهري ولا أقوى على الحركة، كوني تعرضتُ للشبح لفترات طويلة ولم يقدم لي أي علاج بعدها".

تحلم أم نضال بأنْ يعود لها جثمان نضال، لتقيم له زفة تليق بمقامه كشهيد، وتضمه إلى حضنها الذي ما يزال غائبا عنه منذ 21 عامًا، وأن تحقق أمنيتها في أن تزف إسماعيل عريسًا في البيت الذي عمّره له والده قبل وفاته.

اخبار ذات صلة