فلسطين أون لاين

الزراعة ما بين الضرورة والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية

...
المهندس نزار الوحيدي الخبير البيئي والزراعي (أرشيف)
بقلم/ نزار عبد العزيز الوحيدي - خبير البيئة والزراعة

كانت الزراعة ولا تزال راعية وضامنة الأمن الغذائي في فلسطين عامة وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، وهي المشروع الاقتصادي الأهم حاليًّا، ومع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القاهرة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني أصبحت مسألتا حماية الزراعة وتطويرها همًّا يشغل بال كل الإدارات الواعية، فهي لا تزال تمتلك من الطاقات الكامنة الكثير، والاستثمار فيها لا يزال أيضًا مفتوحًا.

أيضًا نرى التباين الحاد بين مختلف مناطق فلسطين، الأمر الذي يعطي فلسطين ميزة نسبية في إنتاجها الزراعي في العديد من المحاصيل، فضلًا عن البعدين السياسي والديني، اللذين يمنحان المنتجات الفلسطينية فرص تسويق بأسعار لا يمكن أن تنافسها منتجات أي من الدول الأخرى التي تنافسنا في منتجات مشابهة أو متزامنة مع محاصيلنا.

لكن رأس المال كما يقول خبراء الاقتصاد جبان، وهو يهرب من مناطق المخاطرة، ولعل من أهم أسباب هروبه من الاستثمار في قطاع الزراعة الاحتلال، الذي وضع في توجهاته الأولى أن يكون المزارع الفلسطيني حلقة في منظومة الاقتصاد الإسرائيلي، وجعله منطقة إنتاج لكل ما يكلف الاحتلال من موارد مائية.

لا يزال الاحتلال يحتكر صناعة الكيماويات الزراعية، ويمنع إلى حد كبير أي تطوير في صناعتها بالحجة الدائمة: منع إنتاج مواد ثنائية الغرض، والشعار الدائم: (ممنوع لأسباب أمنية) دون إعطاء أي مسوغات أو تفسير منطقي لأسباب الحظر، الأمر الذي جعل هامش الربح في الإنتاج الزراعي عند الحد الأدنى دائمًا؛ فنحن نستورد كل شيء من البذور حتى مواد التعبئة والتغليف، وقس على هذا بقية المنتجات الزراعية وما يلزمها من مواد.

وأهم المشكلات البيئية كانت ولا تزال أزمة المياه، التي باتت شبحًا يرعب المستثمرين، وكانت أيضًا السبب وراء عزوف الكثير من المزارعين عن العمل، أو تحويل أراضيهم إلى سكنية، أو تغيير محصولهم التقليدي ذاته، والتحول إلى محاصيل أكثر تحملًا للملوحة أو أقل احتياجًا لمياه الري.

لا شك أن المزارع الفلسطيني هو الحلقة الأضعف في عالم الاستثمار والاقتصاد، ومتوسط أسعار بيع الكيلوغرام -مثلًا- لا يصل إلى أكثر من شيقل واحد على مدى العام، وإذا ارتفع السعر عن شيقلين تتدخل الحكومة بمنع التصدير لتحقق السعر الملائم للمستهلك، هذه السياسة كانت في أساسها لحماية المستهلك، ولكنها تحتاج من الحكومة إلى إعادة دراستها وتقييم جدواها لكلٍّ من المزارعين والمستهلكين، فالمزارع ليس ملزمًا أن يدفع فاتورة الوفرة الغذائية من جيبه الخاص، فالمزارع الذي يشارك بما لا يقل عن 8% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني لا تكون له أي حماية من المخاطرة ومن الكوارث البيئية والسياسية.

إن تغيير التركيب المحصولي بات ضرورة ملحة، وغاية علينا جميعًا أن نسعى لتحقيقها؛ فهي أول خطوة باتجاه حل جميع المشكلات الزراعية.

أيضًا التكلفة المائية لا بد أن تكون هي العتبة الأولى في ميزان قبول أو رفض المنتجات الزراعية المقترحة إضافة إلى ضرورتها في السلة الغذائية الفلسطينية، فلا يعقل أن تكلفنا حبة البرتقال 50 لترًا من الماء ونفكر في التوسع في زراعته، أو أن نستمر في زراعة مساحات جديدة من الفراولة أو الزهور، التي تكلفنا نحو 12.5 لتر من الماء العذب لحبة الفراولة الواحدة، وما يقاربها لزهرة القرنفل الواحدة.

نحتاج حقيقة إلى دراسات تفتح أبواب التخطيط السليم والتغيير الجذري في نشاطاتنا الزراعية، والتي هي أولًا وأخيرًا لا تزال تحمل الكثير من الفرص، وهي الإسفنجة التي تمتص الفائض من سوق العمل في القطاعات الزراعية المتعطلة بسبب الاحتلال وأخطاء المزارع.