عندما تكون المواقف نابعة من مبادئ ثابتة وراسخة تتحقق قيم الرجولة، وهي سمات يتحلى بها المسن الأردني عبد الإله الشبول، الذي اختار أن يُعبر بطريقته الخاصة عن عمق المأساة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تدفعه في كل يوم من حياته إلى استذكار جرح عربي نازف.
الشبول (88 عاما) من سكان بلدة الشجرة التابعة للواء الرمثا أقصى شمالي الأردن، ضرب أصدق الأمثلة للوفاء بالعهد، عندما حرّم على نفسه شرب الشاي إلا في القدس، بعد أن تتحرر من الاحتلال الإسرائيلي.
الشاي مشروب قديم توارثته الشعوب جيلا بعد جيل وحضارة بعد أخرى، ويعود تاريخه إلى قرون طويلة مضت. والأردن كغيره من شعوب العالم، يعتبر الشاي مشروبا أساسيا يتم تناوله مع الوجبات الرئيسية وتقديمه للضيوف.
عهد الشبول لم يكن عابرا، بل جاء مدفوعا بما تعرضت له الأراضي الفلسطينية إبان حرب عام 1967، بعدما ضمت دولة الاحتلال القدس إلى حدودها، والمضي بالمشاريع الاستيطانية فيها.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت قصة الرجل مع التوقف عن شرب الشاي، إذ يكشف للأناضول، تفاصيل مؤثرة لن ينساها ترويها تجاعيد يديه ووجهه ولحيته التي اشتعلت شيبا، وتخفي بين ثناياها ألما عميقا يعيش معه.
لم يكن الحصول على التفاصيل أمرا سهلا، لا سيما مع كبر سنه، وصعوبة استذكارها؛ لمرور سنوات طويلة على الحادثة، إلا أن حب فلسطين والقدس المزروعتين في فؤاده سهل المهمة، وكانت كلماته العفوية تنطق بأدق الحيثيات.
الشبول من مواليد فبراير/ شباط 1934، التحق بالجيش الأردني عام 1951، وخدم في كتيبة المشاة الخامسة 24 عاما، وتقاعد من الخدمة برتبة وكيل، ثم خدم 12 سنة أخرى بالجيش الإماراتي، ليعود إلى بلده عام 1988.
ويتذكر الشبول، خلال حديثه زيارة الملك فيصل الثاني (آخر ملوك العراق) إلى الأردن؛ إذ تم محاكمته بالحبس لمدة أسبوع لأنه لم يؤد التحية للمرافق الإنجليزي آنذاك.
ويتابع: "تم وضعي بالسجن العسكري بالزرقاء (وسط)، وكان رقم الزنزانة 9، وفيها يهودي اسمه موسى، تم اعتقاله لأنه قطع الحدود الأردنية بطريقة غير شرعية".
وأثناء خدمته بالجيش الأردني، شارك الشبول في مناورة عسكرية من محافظة المفرق (شمال شرق) إلى مدينة نابلس، واستمرت 14 يوما مشيا على الأقدام، وسط أجواء شديدة البرودة. وعلى الرغم من ذلك، لم يُسمح لهم بوضع أيديهم في جيوبهم، لافتا إلى أنه تم خياطتها (إغلاقها) لضمان منع ذلك.
وإلى جانب نابلس، خدم الرجل في جنين وطولكرم، معتبرا أن أجمل أيام حياته هناك عند صلاته في قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى، ولقائه الشيخ المصري عبد الباسط عبد الصمد، وتناوله "الكنافة" (حلويات تشتهر بها بلاد الشام) في محل حلويات شهير اسمه "العكر".
ويضيف: "كنت أخدم في الشرطة العسكرية عام 1967، عندما مر من جانبي زميل آخر على دراجته، وكنت أشرب الشاي، فقال لي: أتشرب الشاي والقدس راحت (إشارة إلى احتلالها من إسرائيل)".
ويستدرك: "أثّر كلامه في نفسي كثيرا، فقمت برمي كأس الشاي من يدي، وقطعت على نفسي عهدا بألا أشرب الشاي مرة أخرى إلا في القدس، بعد تحريرها من الاحتلال".
ويتابع: "كنت مغرما بشرب الشاي، وكنت أشرب في المجلس الواحد نحو 8 أكواب، ولكنني منذ 55 عاما لم أتذوقه نهائيا، علما بأنه لم يكن يمينا، وإنما عهدا قطعته على نفسي".
وبسؤاله عن إمكانية تحوله عن ذلك العهد لو زار القدس الآن، يجيب بنفي قاطع: "عهدي لا ينتهي بزيارة القدس وهي محتلة، وإنما محررة".