تتفاقم وتيرة الفلتان الأمني في مختلف مدن الضفة الغربية يومًا بعد آخر، الذي تقوده جهات مُتنفّذة تابعة للسلطة برام الله، عبر إبقاء أسلحتها "المحمية" بين أيدي مجموعات موالية لها، في سبيل تصفية خصومها السياسيين والمعارضين لسياساتها، سيّما رموز المقاومة الفلسطينية.
هذه المرّة أشرعت المجموعات المُتنفّذة وسط مدينة نابلس أسلحتها نحو القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الشيخ خضر عدنان وهو أحد رموز المقاومة الفلسطينية وصاحب "كلمة الحق" في وجه الاحتلال، وهو ما لا يروق للسلطة كونه يسير عكس تيارها.
وقال خضر عدنان في تسجيل صوتي: "أُطلق عليّ رصاص من مرتزقة يستهدفون الجهاد الإسلامي، وما يحدث في نابلس خطير جدًّا وأمر معيب يستوجب موقفًا وطنيًّا".
وممّا لا شك فيه أنّ مُستنقع الفلتان الأمني يتعمّق في الضفة وسط تجاهل السلطة وأجهزتها الأمنية وانشغالها في تصفية حساباتها مع المُعارضين والناشطين السياسيين، تحقيقًا لمصالحِها الشخصية والحفاظ على أمن الاحتلال.
ترهيب وتخويف
يرى الناشط السياسي غسّان السعدي، أنّ ما جرى مع الشيخ "عدنان، محاولة ترهيبٍ وتخويفٍ له، ضمن سياسة كتم الأصوات المُعارضة لسياسات السلطة، وهو ما يُنذر بخطورةٍ كبيرةٍ على الشارع الفلسطيني.
وقال السعدي خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين": إنّ "هناك حالة انسجام وطني بين الفصائل الفلسطينية المقاومة في جنين ونابلس، وهو ما لا يُرضي الاحتلال ولا سلطة عباس"، مُؤكّدا رفضه لذريعة السلطة بمنعها الشيخ خضر عدنان من الحضور لنابلس.
وأضاف "لا يحقُّ لأحدٍ منع أيّ فلسطينيٍّ من التواجد بأيّ مكانٍ في الضفة، إلا لأسباب أمنية وأخلاقية وهذا غير موجود عند الشيخ خضر"، واصفًا ما جرى بـ "الزعرنة والبلطجة".
وشدّد على أنّ "الأمور باتت واضحة أنها محاولة خلق فتنةٍ بين فصائل المقاومة"، مُعتبرًا ذلك "مُؤشّرًا خطيرًا" له انعكاسات على الشارع الفلسطيني.
وبحسب قوله، فإنّ هناك حالة إجماعٍ شعبيٍّ ووطنيٍّ على رفض مُمارسات السلطة المتعلّقة بالقمع والاعتقال والمُلاحقة للمعارضين والنشطاء السياسيين، داعيًا إلى تعزيزِ حالة الصمود والوعي والتلاحم الوطني والتكاتف، والتوجُّه نحو مواجهة المُخطّطات الصهيونية.
أما الكاتب والمحلل السياسي فخري جرادات، فيقول إنّ هذه العصابات القمعية يقودها جهات مُتنفّذة في السلطة، وتقدم لها التمويل المالي وتوفّر لها الأمن والغطاء، مُشيرًا إلى أنّ هذا السلاح لم يُعطَ لهذه المجموعات عبثًا.
وأوضح جرادات خلال حديثه مع "فلسطين"، أنّ هذه المجموعات كانت تعمل ضمن مُسمّيات تُستخدم في مواجهة الاحتلال، لكنها باتت تستخدمها الآن في مواجهة الفلسطينيين أنفسهم.
وقال: "السلاح الذي أطلق النار على القيادي خضر، لم نره حينما اغتال الاحتلال الشهداء الثلاثة من نابلس، لكنه ظهر للاستقواء على شيخ مقاوم قاوم الاحتلال بطرقه الخاصة".
وشدّد على أنّ "السلطة تسعى لكسر وكتم أصوات القامات الفلسطينية، كونها تسير في عكس سياستها وهو ما لا يتوافق معها".
نحو المجهول
وجدد التأكيد أنّ "السلطة والجهات المُتنفّذة فيها تغضّ الطرف عن السلاح الذي يطلق النار على الأبرياء وقادة المقاومة، في حين تشرعه أثناء رفع رايات مُخالفة لها في جنازة شهيد أو استقبال أسير وغيرها".
وبيّن أنّ السلطة تسعى من خلال مُمارستها إسكات كلّ الأصوات المُعارضة لها، حتى وإن كان في السّياق الوطني العام.
وأضاف أنّ "السُّلطة أوصلت الشعب الفلسطيني إلى المجهول، فهي لا تؤدّي أيّ دورٍ ولا تنشغل إلّا في ترتيبِ الوراثةِ والزعامةِ وتوزيعِ المناصب، للحفاظِ على كراسي المُتنفّذين فيها"، لافتًا إلى أنّ كلّ الجهود تندرج ضمن إطار الحفاظ على الأمن والاستقرار مع الاحتلال وليس الشارع الفلسطيني.
وفي تقريرٍ سابقٍ للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بشأن فوضى السلاح: قال "في الآونة الأخيرة، أخذ الحديث عن ظاهرة انتشار السلاح وسوء استخدامه يتصاعد بدرجة كبيرة في المجتمع الفلسطيني".
ويُشير التقرير إلى "ملاحظة انتشاره الكثيف بين المواطنين مُجدّدًا، واستخدامهم له بالشّجارات العائليّة والمُناسبات الاجتماعية والفصائليّة، حتى بِتنا نُشاهد ما يُمكن تسميته بسباقِ تسلُّح بين المواطنين والعائلات والعشائر بفلسطين".

