الحرب بين روسيا وأمريكا في الساحة الأوروبية، لن يقتصر تأثيرها على أوروبا وحدها، بل إن الشرق الأوسط يأتي في الدرجة الثانية من التأثير، خاصة أن هناك حالة تجاذب كبيرة بين الولايات المتحدة وبين روسيا على أغلب قضاياه، إذًا هو منطقة ملتهبة وشديدة الحساسية للأزمات الدولية، ولحالة الاستقطاب المتوقعة نتيجة لتصاعد الحرب في أوكرانيا، فيعتبر الاحتلال الصهيوني الطرف الأكثر تأثرا بها، وما سيتبعه عقوبات أوروبية وأمريكية على روسيا، سيعقد بذلك العلاقات الروسية الصهيونية، خاصة في ملف نووي إيران وسوريا وحلفائهم في المنطقة.
الكيان الصهيوني في ميزان الأطراف المتحاربة
يمثل الكيان الصهيوني بالنسبة لأمريكا قاعدة عسكرية كبرى في الشرق الأوسط (البحر المتوسط)، إذ عمدت في السنوات الأخيرة إلى تخزين كميات كبيرة من السلاح والصواريخ داخله، كاحتياط حربي استراتيجي، تستخدمه في حالة الحرب وفق (استراتيجية التعاون المشترك) مع الكيان، الذي سعي إلى تطويرها من خلال إشراكه ضمن القيادة الوسطى للجيش الأمريكي، ويبلغ قيمة المخزون الحربي، تقريبا 1.2 مليار دولار، بالإضافة إلى تمويل الولايات المتحدة للعديد من الصناعات الدفاعية للكيان بقيمة 3.4 مليار، وكذلك سمحت له باستخدام المخزون الحربي الخاص بها أكثر من مرة في حروبها.
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا، التي تقيم معها علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية، ولديها جالية يهودية كبيرة بها، وتمثل الجار لها داخل سوريا، ولديها أكبر قاعدة جوية "حميميم" وكذلك أكبر قاعدة بحرية "طرطوس" علي البحر المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقيات مبرمة بينهم، تسمح للكيان بموجبها بضرب ما تسميه التموضع الإيراني داخل سوريا، والتنسيق لتجنب التصادم الجوي أثناء الغارات التي تشنها على الأراضي السورية.
- كيف تعامل الكيان الصهيوني مع تصاعد الحرب الأوكرانية
رغم العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة فإن الكيان الصهيوني يحافظ على علاقات قوية واستراتيجية مع موسكو، إذ إنه حريص جدا علي عدم التدخل في الأزمة، منذ بدايتها في 2014، فهي الدولة الغربية الوحيدة التي رفضت إدانة الاحتلال الروسي للقرم، ولم ينضم إلى قائمة العقوبات التي قادتها أمريكا ضد روسيا خلال تلك الفترة، وذلك بسبب أن التركيبة السكانية داخل الكيان الصهيوني معقدة جدا، تتكون من فسيفساء شتى، فيشكل المهاجرون الروس أكثر من مليون نسمة داخله، مما أثر علي سياسته الخارجية خلال الأزمة، وكذلك تعامل الكيان الصهيوني عندما زاره وزير الدفاع الأوكراني في نوفمبر 2021، لشراء منظومة القبة الحديدية، للدفاع الجوي، حيث تجاهل الكيان تلك الطلبات وامتنع عن الإدلاء بأي تصريحات واضحة حول الوضع.
أما الآن وبعد اشتداد الحرب، لن يكون الكيان الصهيوني قادرا على السير في خط رفيع بين الجانبين هذه المرة، فأثارت تصريحات وزير الخارجية الصهيوني "لابيد" التي دان فيها الغزو الروسي لأوكرانيا يوم الخميس، قائلا إنه انتهاك صارخ للنظام الدولي، فغضبت روسيا، فأصدرت بيانها لتقول إنها لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، التي هي جزء من سوريا وأنها محتلة من قبل (إسرائيل)، مما دفع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بينت بالتصريح بأن بلاده تمد يد العون لتقديم جميع المعونات الإنسانية اللازمة للمواطنين الأوكرانيين، ولم يذكر في بيانه أي من المصطلحات التي تثير روسيا، بل مساعدات إنسانية ولفئة المواطنين، بالمقابل قال سفير روسيا لدى الكيان فيكتوروف، إنه يأمل أن "يواصل الكيان اتخاذ نهج دبلوماسي حكيم"، في ردها على العملية الروسية، لذا قرر الكيان الامتناع عن دعم قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الهجوم الروسي على أوكرانيا رغم طلب الإدارة الأمريكية منها تأييده.
- حالة الاستقطاب والاصطفاف الدولي خلال تصاعد الحرب
فبعد مضي أربعة أيام على بدء الحرب وقرب السيطرة الروسية على العاصمة كييف، وبعد فشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع قرار إدانة غزو روسيا لأوكرانيا، رغم موافقة 11 دولة وامتناع 3 دول من التصويت له، بسبب استخدام روسيا حق نقض الفيتو في مجلس الأمن، يظهر لنا حالة الاستقطاب ستضع الكيان في مأزق كبير؛ إذ ستضيق الحرب في أوكرانيا، من هامش المناورة الإسرائيلية في سوريا ولبنان، إذ يواجه الكيان معضلة سياسية وأمنية لا تواجهها أي دولة أخرى، فمن ناحية، ينبغي أن تدين حرب أوكرانيا ودعم موقف أمريكا وحلفائها الذين فرضوا عقوبات على حليفتها موسكو الموجودة بجوارها في سوريا التي تتحكم بسمائها وبحرها، ففي حال انحاز الكيان الصهيوني بشكل واضح إلى أمريكا في الحرب، فإن الضرر الذي سيصيب منظومة الأمن القومي كبير جدا، مما يفقدها القدرة على مواصلة العمل بحرية في سوريا ضد التمركز الإيراني، لذا فالقيود التي ستفرضها روسيا على "الكيان" لن تقتصر على العلاقات الدبلوماسية بينهم، بل على الفاعلية العسكرية في التعامل مع إيران وسوريا، حيث تتواجد القوات الروسية، إذ من الممكن أن تمتد إلى حلفائها في المنطقة مما يمكنها من الضغط على الكيان الصهيوني ومشاغلته عسكريا وسياسيا.
- الكيان الصهيوني والجوار السوري
روسيا تدرك أهمية الكيان الصهيوني بالنسبة لأمريكا إذا تصاعدت الحرب، لذا لا شك في أن روسيا ستنظر لانضمامه إلى جبهة غربية ضدها بشكل سلبي، لذا تعمل روسيا علي تعزيز تواجدها داخل سوريا المحاذية له، حيث زودت قاعدتها الجوية بالطائرة المقنبلة TU22M3 والتي تحمل رؤوسًا نووية، بالإضافة لطائرتين الميج31 كنزال والتي تصنف من نوع الطيران الاستراتيجي، والتي تحمل صاروخًا يفوق سرعة الصوت 10 مرات، وكذلك زودت بـ6 سفن حربية قاعدة طرطوس البحرية، للاستقرار في البحر المتوسط، وأيضا سيطرة روسيا على المجال الجوي فوق سوريا من خلال استخدام نظامها الصاروخي المضاد للطائرات من طراز S-400 فروسيا تمثل الآن القوة الأولي تواجدا في البحر المتوسط، مما يحرم القوات الجوية للكيان من حرية الطيران.
- إيران النووية والمجاورة لحدود الكيان في سوريا
روسيا تعتبر إيران حليفًا لها في المحيط الهادي، لأنها دولة محادية لتركيا العضو بالناتو، ويوجد بين ايران وأمريكا والكيان الصهيوني عداء، على خلفية منعها من امتلاك السلاح النووي، فإن طهران ترى في الحرب فرصة يمكن استثمارها لتسريع عملية الوصول إلي القنبلة النووية، بسبب انشغال العالم الغربي عنها، ومن شأنه أن يلحق ضرراً استراتيجياً بالكيان، بالإضافة لتطوير إيران منظوماتها الصاروخية خاصة "خيبر" الذي يصل مداه 1400كم، مع العلم أن المسافة بين إيران والكيان قرابة 1100كم، مما يجعل الكيان كله في مرمي الصواريخ الإيرانية، وكذلك مؤخرا مناورة إطلاق إيران صاروخ S200 الروسي المطور إيرانيا، من سوريا تجاه الكيان بتاريخ 9/ 2 / 2022 وتجاوز منظومة القبة الحديدة، والذي أسقطته روسيا ذاتيا في الجو على عمق 150كم داخل الكيان، ويأتي ذلك في إشارة واضحة من روسيا للكيان وإيران بأنها ما زالت تتحكم في مجريات الأحداث.
إذن الحرب الأوكرانية ستضاعف الصعوبات باحتواء إيران، فالغرب لن يكون معني بتفجير صراع معها يستنزف قواها ويفتح الباب لموسكو للعب دور مهم في الحرب، شمال المحيط الهندي وانتهاء بشرق المتوسط.
- الكيان الصهيوني وحزب الله اللبناني
تعززت قوة حزب الله الدفاعية من خلال إيران، إذ يمتلك ثلاث منظومات دفاع جوي وهي S200 المطورة إيرانيا وكذلك منظومة بوق للدفاع الجوي بالإضافة إلى منظومة دفاعية تسمي بانتسير، مما يحرم “القوات الجوية للكيان” من حرية الطيران، بالإضافة إلى استكمال برنامج تحسين دقة الصواريخ الموجودة، وأيضا عمليات تطوير إيران طائرات دون طيار(حسان) التي تم تجريبها في 18/2/2022م بعمق 70كم ولمدة 40 دقيقة، واستطاعت مناورة وتجاوز منظومة القبة الحديدية، وعادت لقواعدها بسلام، مما يدفع الكيان إلى إعادة ترتيب أولوياته.
- بناءً على ما سبق من التحليل وقراءة المشهد نتوقع مجموعة من النتائج لتأثيرات الحرب ما يلي:
- إن تصاعد الحرب سوف يجبر الكيان الصهيوني في نهاية المطاف على الاصطفاف والانضمام إما إلى الولايات المتحدة أو روسيا، وإن القيام بذلك ستعتبره كل منهما خيانة لا تغتفر، يجب الرد عليها، مما يجعلها تخسر أحد حلفائها الاستراتيجيين.
- ممكن أن تكون من النتائج المرتقبة لتصاعد الحرب إحداث تغير في موازين القوة العالمية، وظهور أقطاب جديدة لقيادة العالم، مما لا يكون في صالح الكيان الصهيوني.
- توسع الحرب ممكن أن يدفع الولايات المتحدة للضغط على الكيان خفض التصعيد، في القدس والضفة وغزة، والتفرغ لمراقبة تطورات الحرب.
- كلما توسعت رقعة الحرب الجغرافية، امتلكت دول محور المقاومة أدوات قوة جديدة من حلفائها تستطيع من خلالها التأثير على الكيان الصهيوني، مما لا يكون في صالح الكيان الصهيوني.