لا شك أن خلف الهدوء السائد في قطاع غزة، حقيقة تؤرق المستوطنين في مستوطنات الاحتلال المحاذية للقطاع أو فيما يعرف بـ"غلاف غزة"، وهي إعداد المقاومة في غزة على المستويات كافة، وهذا ما يبدو واضحًا في استمرار تدريبات جيش الاحتلال على عمليات إخلاء المستوطنات، أو طرق الدفاع عنها في ظل الخلافات المستمرة بين الجيش والمستوطنين.
الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، ذكر مؤخرًا أنه تم الاتفاق بين رئيس بلدية (تل أبيب) رون خولدائي، ورئيس مجلس مستوطنات أشكول "غادي يركوني" على أن يتم إخلاء مستوطني تجمع "أشكول" الواقع شرق جنوب قطاع غزة، إلى مدينة (تل أبيب) في أي مواجهة مقبلة مع المقاومة في غزة.
كذلك إخلاء المستوطنات التي تبعد 4 - 7 كم من الحدود الفاصلة بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948، باتجاه أماكن مختلفة في (تل أبيب)، ساعة الطوارئ.
ووفق الخبراء والمحللين الذين تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين"؛ فإن 17% من سكان مستوطنات غلاف غزة الذين نزحوا خلال العدوان الإسرائيلي عام 2014، واستقروا في وسط وشمال فلسطين المحتلة، لم يعودوا حتى اللحظة، في وقت يقوم فيه جزء كبير من المستوطنين داخل الغلاف حاليًا بترتيب أمورهم للرحيل في ظل الحديث عن الأنفاق.
وكان رئيس بلدية مستوطنة أشكول قد صرح مؤخرًا، أنه في حال عدم "التوصل إلى تفاهم بين الاحتلال والمقاومة في غزة، يعيد الهدوء للمنطقة، فإن جزءًا كبيرًا من المستوطنين سيتركون المستوطنات المحاذية"، وهو ما أكده خبراء ومحللون أن له تداعيات استراتيجية خطيرة إن تحقق.
ونشبت خلافات بين الجيش والمستوطنين، وفق الخبراء والمحللين، نظرًا لعدم قدرة الجيش على حمايتهم من قذائف وصواريخ المقاومة خلال المعركة الأخيرة، حيث إن خطر المقاومة في غزة يختلف عن أي خطر من مناطق أخرى، لأنه يقع في الخاصرة الرخوة للاحتلال.
فرض معادلة جديدة
الخبير في شؤون الأمن القومي د. إبراهيم حبيب، يقول: "إن المقاومة في غزة وصلت إلى مستوى من الردع المعنوي للاحتلال ولجبهته الداخلية، نتيجة للإعداد المتميز، مشيرًا إلى عدم مقدرة الاحتلال الإسرائيلي خلال الاعتداءات الماضية على إنهاء حالة المقاومة، وبالتالي أصبح يشعر أن المقاومة في غزة تشكل حالة تهديد دائم له.
ويضيف حبيب لصحيفة "فلسطين": "ما دامت المقاومة تعد نفسها، فإن قدرة الاحتلال على الدخول في معركة تضعف"، مبينًا أن غزة هي الجبهة الساخنة حاليًا بالنسبة للاحتلال.
ويرى أن تدريبات الاحتلال على خطط إخلاء المستوطنات، يدل على طبيعة التغير الجوهري في عقيدته العسكرية التي باتت تميل إلى حالة الدفاع بدلا من الهجوم كما السابق، إضافة إلى تمكن المقاومة في غزة من تغيير عقيدة الاحتلال الأمنية وفرض معادلة جديدة.
الهدوء الحذر
أما الخبير في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، فيرى أن هناك هدوءًا حذرًا بين المقاومة في غزة والاحتلال، والأخير غير معني بالتصعيد خاصة في ظل الحديث عن وجود مشاكل في تقرير مراقب الدولة حول العدوان الإسرائيلي عام 2014، وأن هناك توجها حكوميا إسرائيليا بعدم خوض أي عدوان قبل استخلاص العبر من العدوان الأخير".
ويقول أبو عواد لصحيفة "فلسطين": "إن المجتمع الإسرائيلي بشكل عام معني بالتوصل إلى تفاهمات وعدم شن أي عدوان، خاصة بعدما ظهر بأنه مجتمع غير متماسك وصب جام غضبه على حكومته"، مشيرًا إلى الضغوطات التي يمارسها مستوطنو غلاف غزة على الحكومة من أجل التواصل إلى تفاهمات مع المقاومة.
كما يرى في استعدادات جيش الاحتلال والتدريب على إخلاء المستوطنات، محاولة لإيهام المستوطنين بأنه مستعد لأي مواجهة قادمة.
ويضيف: "إن الاحتلال يدرك أن القطاع يعيش حالة إنسانية صعبة وأنه يمكن أن ينفجر في أي لحظة في وجهه، وأن هناك قناعة لدى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الشاباك" بأنه يمكن خلال الحرب القادمة أن تقتحم المقاومة مستوطنات غلاف غزة".
وبشأن تقرير مراقب كيان الاحتلال حول عدوان عام 2014، يوضح أن الاحتلال عقد 85 جلسة لدراسة نتائج العدوان، وتوقفت هذه الجلسات بسبب الانتخابات الإسرائيلية في مارس/ آذار 2015.
تطور وإرباك
الخبير العسكري اللواء واصف عريقات، من جهته؛ يقول: "إن ما يجري هو إعداد لمواجهة محتملة قادمة ليست قريبة بين المقاومة والاحتلال"، لافتا إلى عوامل ترجح أو تبعد موضوع المواجهة، وتمثلت في: أزمات داخلية يحاول الاحتلال تصديرها، والمرحلة الانتقالية للرئيس الأمريكي، وما يجري في المحيط الإقليمي الذي يؤرق الاحتلال.
ويضيف عريقات لصحيفة "فلسطين": "إنّ أي تطور للمقاومة يربك قيادة الاحتلال"، معتبرًا تدريبات الاحتلال على إخلاء المستوطنات إقرارا إسرائيليا بتطور أداء المقاومة، وأن هناك احتمالات شبه مؤكدة يضعها الاحتلال حول تطور المقاومة من مرحلة الدفاع السلبي، والدفاع الإيجابي، لمرحلة الهجوم في عمليات خلف خطوط العدو والأنفاق.
ويوضح أن تطور المقاومة سيؤدي في المستقبل إلى تطور عمليات القتال النوعية في عمق الداخل الإسرائيلي، وهو ما دفع الاحتلال إلى إجراء هذه التدريبات من أجل إخلاء المستوطنات والدفاع عنها.
في هذه الأثناء، قال مصدر عبري، أمس: إن المقاومة لديها إمكانيات لتحرير عشرات المستوطنات خارج حدود غزة من التي لم يتم تحصينها.
وعلى إثر ذلك، بحسب موقع "إسرائيل ديفنس" المختص في الشؤون العسكرية، سيقع بأسر المقاومة الفلسطينية أعداد كبيرة من المستوطنين.
وفي حال تنفيذ هذا السيناريو، سيضطر الاحتلال للدخول في مفاوضات مع المقاومة، ما يحد من قدرته في العمل العسكري، بحسب الموقع العبري.
ورجح الموقع العبري في تقرير له، استخدام هؤلاء المستوطنين الأسرى دروعا أمام نيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما سيجعل الدولة العبرية في "معضلة كبرى".
وقال الموقع في تقريره: يبدو أن الخوف الإسرائيلي من قوات النخبة التابعة للمقاومة بات كبيرًا لدرجة أنه أصبح من أحد موانع نشوب الحرب في الفترة الحالية في ظل الحديث عن قدرات عالية لديها وإمكانية وجود خطط لتنفيذ عمليات كبيرة.
وتحدث أيضًا عن عدم استعداد جيش الاحتلال لحرب جديدة في ظل تنامي قوة وحدات النخبة والكوماندوز التابعة للمقاومة في غزة، وذلك خشية تنفيذها عمليات عبر الأنفاق يتم خلالها السيطرة على مستوطنات غلاف غزة وأسر المئات من المستوطنين.
وأشار الموقع إلى أن المستوى السياسي والعسكري في الدولة العبرية "غير مدرك للمخاطر العسكرية على الرغم من معرفة قوة وقدرات العدو"، مؤكدًا أن المستويات السياسية والعسكرية "لازالت عاجزة عن استخلاص العبر من أجل مواجهة الحرب القادمة".
وعرض الموقع سيناريو اقتحام قوات النخبة التابعة للمقاومة الحدود من جبهة غزة بالتزامن مع عمليات قصف صاروخي مكثف، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو لم يواجهه جيش الاحتلال من قبل وليس لديه استعداد لمواجهته.
ولفت الموقع إلى أن عملية كوماندوز المقاومة لتحرير تجمعات على الحدود تستغرق وقتا قصيرا جدًا، بالتالي الدفاع عن هذه التجمعات لا يمكن أن يكون من خلال قوات احتياط أو قوات يمكن تحريكها، مؤكدًا أنه لا يمكن أن يكون ذلك إلا من خلال قوات حول هذه التجمعات أو بداخلها.
وفي ذات الموضوع، اقترح الموقع المختص بالشؤون العسكرية، بناء عوائق من جدران وألغام وأجهزة إنذار لحماية هذه التجمعات، مع نشر قوات من جيش الاحتلال في تلك المناطق وتزويد السكان بالأسلحة المناسبة لصد الهجمات، وإعداد أوامر دفاعية تشمل تشغيل سلاح الجو.