فلسطين أون لاين

انتفاضة الأسرى في السجون.. إلى أين؟

بات ما تشهده السجون الإسرائيلية هذه الأيام انتفاضة حقيقية وعملية بمنزلة تغيير لقواعد الاشتباك، فمنذ أن نجح ستة أسرى من اختراق المنظومة الأمنية بالغة التعقيد في سجن جلبوع والسجّان لا ينام ولا يهدأ له بال، يحاول كلّ ما بوسعه لردّ الصاع صاعين ولينهك الحركة الأسيرة ويعيدها للوراء كثيرا، ويستخدم في ذلك سياسة العقوبات الجماعية ليحقّق ردعا يدفع الأسرى للتفكير مليّا بكلّ خطوة يتخذونها من شأنها أن تحسّن أوضاعهم المعيشية التي باتت متردية وفي الحضيض.

في الفترة الأخيرة قامت سلطات القمع بعدة ممارسات إجرامية منها الضرب المباشر والعنف المفرط بالهراوات والعصي المكهربة والحديدية طالت عدة أقسام وعدة سجون منها سجن الأسيرات، وقامت بضخ الغاز في داخل الزنازين والغرف وعزل عشرات الأسرى ومنع الزيارات والحرمان من الفورة وتقليص الوقت المتاح فيها وتقليص المشتريات من "الكنتينا" ومضايقة الأهالي في الزيارات وتمريرهم بإجراءات قاسية ومهينة متنوعة ومكثّفة.

وقد اتخذت قرارات القمع وخنق الحياة وبقايا الحياة في السجون من أعلى مستوى سياسي، وقد تبيّن من تصريحاتهم وممارساتهم أنّهم ماضون قدما للانحدار في المستوى المعيشي لأسرانا إلى الحضيض وإلى المربّع الأوّل الذي بدأت به سجونهم. وإلى نسف كل النضالات التي خاضها أسرانا وحققت لهم مجموعة من الاستحقاقات الضرورية لتحقيق حياة مقبولة وكريمة نوعا ما ولو بحدّها الأدنى.

الأسرى في هذه المواجهة المفتوحة أيضا لهم رؤية وأهداف لا يمكن أن يسمحوا بتجاوزها. أهمها ما يرتكز على أنهم أسرى حرية وأصحاب قضية وبالتالي لا بدّ من توفير حياة داخل السجون تتيح لنفوسهم أن تحافظ على انتمائها الوطني الصادق وأن تبقى الروح الثورية بحضور دائم وإشراقة لا تنطفئ مهما قسى الظرف وطغى الباطل، وكان لهم برنامج وطني ثقافي وإداري وأمني يرعى ويحافظ على صفاء معدن هذه الذات الحرّة.

لم يسلك هذه المرّة أسرانا الإضراب المفتوح عن الطعام لأن هذا له ظروفه ومتطلباته التي لا بدّ وأن تتحقّق قبل الشروع فيه، سلكوا طريقا موحّدا جمع الكلّ الوطني فيه ومضوا قدما ببرنامج يشمل كل السجون وكلّ الفصائل وهذه بحدّ ذاتها كانت إنجازا كبيرا، ثم أربكوا إدارة السجن بحلّ التنظيمات، وهذا يعني أن كل أسير يصبح تنظيما قائما بذاته وعلى السجان أن يتحمّل مواجهة هذا العبء الكبير، عملوا على إرباك شرطة السجن من خلال الإضرابات اليومية وترجيع الوجبات والاعتصام بالفورة، بهذه الضربات السلمية التي تبقيه على قدم وساق وتبقي السجون في حالة توتّر يخسر فيها السجان أكثر مما يخسر أسرانا، إذ يدفع من الشرطة أعدادًا مضاعفة في السجون وتتوقّف إجازاتهم وتبقى السجون على صفيح ملتهب ويبقى الأخطر وهو ما يحفّز ويوفّر ظروفًا ملائمة خارج السجن لضربات انتقامية وردّات فعل تهدّد أمنهم وتنذر بأحداث لا تحمد عقباها.

وهنا نصل إلى بيت القصيد وهو حركة الشارع الفلسطيني التي عوّدتنا الوقوف مع أسراها والتي هي الرئة التي يتنفّس منها نضال أسرانا داخل السجون، فإن تحرّكت كما هو متوقّع منها وكما يجب فإن استجابة السجان لمطالب أسرانا تكون سريعة، وهي بمنزلة ذراع الردع المضادة لسياسة الردع التي تقوم عليها عقلية هذا السجان اللئيم، وبالمناسبة هو لا يفهم إلا هذه اللغة.