أودعت السلطة ملف عدوان الاحتلال على قطاع غزة صيف عام 2014، لدى محكمة الجنايات الدولية، ولكن مرت ثلاثة أعوام على ذلك العدوان، ولم تقدم السلطة حتى اللحظة طلبا رسميا من المحكمة للبدء بالتحقيق في هذا الملف، ليبقى، وفق مراقبين قانونيين، ينتظر أن يأتي دوره في الدراسة الأولية للمحكمة التي تستغرق عدة سنوات في تحليل وجمع المعلومات.
وحصلت السلطة في 29 نوفمبر/ شباط 2012 على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، الأمر الذي فتح الباب أمامها للانضمام لكافة المؤسسات والاتفاقات والمعاهدات الدولية، ومن ضمنها محكمة الجنايات الدولية.
وفي الثاني من يناير/ كانون الثاني 2015، تقدمت فلسطين بطلب الانضمام للمحكمة، وأعلنت المحكمة في منتصف يناير من ذات العام، فتح بحث أولي في جرائم حرب قد يكون الاحتلال ارتكبها خلال عدوانه على غزة في السابع من يوليو/ تموز 2014م استمر 51 يوما وانتهى في 26 من آب/ أغسطس من نفس العام وراح ضحيته أكثر من 2200 شهيد، وأكثر من 11 ألف جريح.
وفي الأول من إبريل/ نيسان 2015، انضمت فلسطين رسميًا للمحكمة، وسلمت السلطة في نهاية يونيو/ حزيران 2015، أربعة ملفات للجنائية الدولية وهي: ملف العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، والاستيطان في الضفة، وملف الأسرى في سجون الاحتلال، وملف عائلة دوابشة وملف إرهاب المستوطنين.
لا توجد إحالة
المستشار القانوني لمؤسسة الحق لحقوق الإنسان د.عصام عابدين قال: "إنه بعد أن انضمت فلسطين للنظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، بدأت المدعية العامة في السادس من يناير/ تشرين ثاني 2015 بدراسة أولية للحالة بفلسطين بأثر رجعي عن ما حدث خلال عدوان الاحتلال، بعد أن أودعت السلطة ملف عدوان الاحتلال على القطاع صيف 2014 والاستيطان بالمحكمة.
وأضاف عابدين لصحيفة "فلسطين": "بأن الدراسة الأولية تتضمن جمع معلومات وتحليل اختصاص المحكمة فيها وطبيعة الجرائم والتي قد تستغرق عدة سنوات، نظرا لوجود شبهات حول جهات تمويل المحكمة، إضافة لعوامل خارجية مؤثرة عليها لا تريد أن يلاحق قادة الاحتلال أو الانتقال لمرحلة البدء بالتحقيق".
وشدد عابدين على ضرورة أن تقوم السلطة بطلب إحالة رسمية من المحكمة بالبدء بفتح تحقيق رسمي، مؤكدا أنه لغاية اللحظة ليس هناك طلب إحالة رسمية من قبل السلطة للمحكمة للبدء بالتحقيق وأن الأمر ما زال في إطار الدراسة الأولية.
وبقاء الأمر في الدراسة الأولية، والكلام لعابدين، يعطي المجال للمحكمة لاستنفاد كافة جهودها, الأمر الذي يستغرق عدة سنوات، مؤكدا أن المطلوب وجود جهد فلسطيني حثيث مع مكتب المدعية العامة، وتزويدها ببيانات وإحصائية مستمرة.
وبخصوص دور لجنة المتابعة الوطنية العليا التي تتابع ملف العدوان والاستيطان مع الجنايات، رأى عابدين أنه لا يلاحظ وجود نشاط ملحوظ لعمل اللجنة، أو تواصل مستمر مع مكتب المدعية العامة، واصفا ما خرج من تصريحات فلسطينية رسمية عن المحكمة بأنها فقط للاستهلاك الإعلامي، في ظل عدم وجود جهد رسمي في هذا السياق.
واعتبر أن السلطة قامت بتهويل عملية الانضمام للمحكمة، متسائلا: عن الدور الفلسطيني والحشد الغائب في هذا السياق.
وفي حالة طلب السلطة من المحكمة البدء بالتحقيق، وفق عابدين فإن المحكة ترسل إشعارا للدول بما فيها الاحتلال بأن يتم التعاون معها في التحقيق، وعند وجود أدلة على الجرائم لأشخاص مدنيين أو عسكريين قاموا بارتكاب جرائم، تبدأ بالقيام بدورها في إطار محاكمتهم.
ضغوط خارجية
فيما يؤكد الكاتب والمحلل السياسي من جنيف سامر أبو العينين أنه من الواضح أن السلطة وقعت تحت ضغوط كبيرة بحيث لا تستطيع تحريك ملف عدوان الاحتلال على غزة في الجنايات الدولية، أكثر مما وصلت إليه حتى الآن.
وقال أبو العينين لصحيفة "فلسطين": "صحيح أن السلطة قدمت الملف للمحكمة ولكن طلب منها من جهات عدة أن لا تقدم طلبا رسميا للمحكمة للبدء بالتحقيق حتى لا تسبب حرجا دوليا لقادة الاحتلال، بحجة ما يسمى أن ذلك يساهم في تعطيل عملية التسوية".
أما الشق الثاني في القضية، وفق المحلل السياسي، أن المحكمة لا تتحرك إلا إذا كان هناك نوع من التحفيز والضغط عليها لتتحرك، وإلا فإن الملف سينتظر دوره وسط كومة من الملفات.
وبين أن عدم تواصل السلطة مع المحكمة يؤدي إلى إهمال الموضوع جانبا، مؤكدا أن السلطة تجري وراء سراب ولم تحصل على شيء من الوعود التي تلقتها من الاحتلال والدول الغربية.
الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب عمر زين من جانبه، طالب السلطة بأن تتابع ملفاتها بالجنايات الدولية وخاصة ملف عدوان الاحتلال على غزة صيف عام 2014م.
وقال زين لصحيفة "فلسطين": "إن السلطة طالما أودعت هذا الملف بالمحكمة، مما يقتضي معه طلب الإحالة بالسرعة القصوى لبدء المحكمة بالتحقيق، فهذا الملف واجب متابعته ولا يجوز أن يترك مهملا خاصة أننا أمام محكمة الجنائية الدولية التي لنا معها تجارب كثيرة".
وتابع: "إذا ما كانت الجهة المتضررة تتابع قضيتها فهناك انتقاء دائم من قبل المحكمة في الملفات التي تتناولها"، مشددا على ضرورة أن تتوحد المؤسسات الحقوقية العربية حول كل قضية فلسطين وخاصة ملف العدوان.