فلسطين أون لاين

حازت جائزة البحث العلمي في الطب النفساني لعام 2021

جبر: الطب النفسي الفلسطيني يعاني فجوة إرادة وإهمالًا حكوميًّا

...
الدكتورة سماح جبر
غزة/ هدى الدلو:

 

توجت الدكتورة سماح جبر بجائزة البحث العلمي فــي الطــب النفسانـي لعام 2021، ومنحت الجائزة عن "الدليل الإرشادي لمنع الانتحار في أقسام الطـوارئ"، إذ كُرِّمت بلقب "المميزون في علوم وطب النفـسي لعام 2021" من قبل شبكــة العلــوم النفسية العربية.

وقد عُد هذا الدليل إضافة نوعية لمكتبة العلوم النفسية العربية، خصوصًا أن موضوع الانتحار من الموضوعات المسكوت عنها في العالم العربي والتطرق له يفتح باب النجاة لبعض الأشخاص الذين يعانون التفكير الانتحاري.

المقدسية سماح جبر من مواليد 1976، وتتولى منصب مديرة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة. كانت أنهت تعليمها الثانوي في المدرسة النظامية الثانوية في القدس، وهي من خريجي الدفعة الأولى لكلية الطب من جامعة القدس في عام 2001، ثم درست الطب النفسي في فرنسا، وتعلمت العلاج السلوكي المعرفي في بريطانيا، ولم تكتفِ بذلك، وحصلت على شهادة في مجال البحث الإكلينيكي بالأبحاث الوبائية الطبية من جامعة هارفارد الأمريكية.

التدخل الوقائي

تقول لصحيفة "فلسطين": "الدليل مصمم للأطباء والممرضين الذين يعملون في أقسام الطوارئ لكونهم خط الدفاع الأول للأشخاص الذين يحاولون الانتحار، للتعرف إليهم وإحالتهم للجهات المعنية ليتم التعامل معهم وتقديم الرعاية والمتابعة على مدى البعيد، حفظًا لهم ولمنع تكرار المحاولة".

وتقدمت جبر للجائزة بعد أن طرحت دليل منع الانتحار في أقسام الطوارئ لمجموعة من الأطباء النفسيين العرب، مضيفة: "وقد وجدوا بأنه مناسب ليس فقط للسياق الفلسطيني بل والعربي أيضًا".

وتوضح أن الدليل يتناول حالات من السياق الفلسطيني ونماذج محلية لأفراد نجوا من جريمة الانتحار التي حاولوا ارتكابها بحق أنفسهم؛ بهدف زيادة حساسية العاملين في الطوارئ من أطباء وممرضين تجاه موضوع الانتحار، وحتى لا يؤخذ باستخفاف أو إهمال ولا تتم مؤاخذتهم أو وعظهم إنما يتم التعامل معهم بطرق مشفوعة بالدليل العلمي بهدف مساعدتهم.

وتقدم جبر دليل الإرشاد لمنع حالات الانتحار للعاملين في أقسام الطوارئ باعتبارهم خط الدفاع الأول في التعامل مع الأشخاص الذين يحاولون الانتحار، وترى بضرورة التعامل مع تلك الحالات بطريقة جدية لأنها غالبًا ما يحاول تكرار محاولة الانتحار، "وهنا تكمن أهمية التدخلات التي تنفذها أقسام الطوارئ ضمن الجزئية التطبيقية للخطة الوطنية للحد والوقاية من الانتحار".

وتتابع حديثها: "الانتحار من القضايا التي يتم التكتم عليها، ويتم تسجيل بعض الحالات على أنها حادث غرق، أو سقوط من علو، أو حادث سير وغيرها، وغالبًا تكون الأرقام والإحصائيات غير دقيقة، فمقابل كل حالة تُسجل هناك من 10 إلى 20 حالة غير مسجلة".

ونظرًا للوم الذي يلحق بحالات سعت للانتحار جاء الدليل ليساعد العاملين في أقسام الطوارئ على تطوير أدوات التواصل والتعاطف مع هؤلاء ومنحهم الأمان، ليعرفوا أسباب إقدام على التخلص من حياته، باتباع خارطة معرفية وردت في الدليل.

فجوة الإرادة الجيدة

ويعد الانتحار الذي يُعرف بأنه فعل قتل المرء نفسه عمدًا، سببًا يؤدي إلى وفاة ما يقارب 80.0000 شخص في العالم سنويًّا حسب منظمة الصحة العالمية. وحسب المنظمة فإن 79% من حالات الانتحار في العالم تستأثر بها الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، فالانتحار يعد ثالث أسباب الوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا.

وتظهر بيانات الشرطة الفلسطينية أن عام 2020 شهد 22 حالة انتحار منها 18 حالة من الذكور بما نسبته 82% في حين بلغت حالات انتحار الإناث 4 حالات أي ما نسبته 18%.

في حين تشير بيانات عيادة الصحة النفسية في غزة، إلى أن ما لا يقل عن 17 شخصًا (جلهم من الشباب) انقضت حياتهم عن طريق الانتحار، في حين حاول مئات آخرون الانتحار، خلال النصف الأول من عام 2021م.

في هذا السياق تبين جبر أن الطب النفسي في فلسطين يعاني فجوة بين الإرادة الجيدة لبعض المهنيين وتوقهم لتحسين الخدمات، وبين المقدرات المستثمرة في الطب النفسي، فلا يزال الطب النفسي لا يحظى بالدعم والاستثمار الكافي، إذ لا يحظى إلا بجزء بسيط من الموازنة الحكومية بما لا يرقى لحجم المعاناة الفلسطينية والألم النفسي.

وتضيف: "يجب أن يكون هناك انفتاح وتعاون أكثر بين الضفة وغزة في مجال الطب النفسي، وألا يكون هذا النوع من الخدمات عرضة للانقسام والحساسية التي يعانيها المجتمع، فالألم الفلسطيني واحد والتعاون في الإستراتيجيات شيء أساسي لتغطية احتياجات الناس، وفي الحالتين هناك حاجة للاستثمار أكثر وتدريب كوادر، وعمل مخصصات مالية أكبر في مجال الصحة النفسية".

صورة سلبية

وتشير جبر إلى أن الإعلام العربي كرس صورة سلبية للطب النفسي والأطباء والمرضى، فالطبيب النفسي هو إنسان فاعل ومؤثر في المجتمع يتمكن من الحديث عن مواضيع تمس الحياة الخاصة للناس، ويستطيع أن يقدم تصورًا جديدًا عن الطب النفسي.

وتأمل أن يتاح للطب النفسي الفرصة ليثبت بأنه منفعة للأفراد والعائلات الذين مستهم الاضطرابات النفسية ولحق بهم الأذى الذي أبعدهم عن النسيج الاجتماعي، وليتمكنوا من إعادة اللحمة بعد التوصل لحلول وتلقي العلاج.

وتستكمل جبر: "من المشكلات أيضًا السكوت عن الجهل والممارسات الخاطئة كالشعوذة والدجل، وغض النظر عن مدعي الطبابة في مجال الصحة النفسية وممارسة ما يقوموا فيها فنرى بعض العرافين وطبيبي الأعشاب الذين يمارسون مع المرضى النفسيين ممارسات خاطئة كالضرب والصعقات الكهربائية بدعوى العلاج، وللأسف يغض المجتمع النظر عنها".

وتنبه إلى أنه على الجميع أن يدرك أن كسر الشعب الفلسطيني نفسيًّا هو هدف للاحتلال، فترى أن تقوية الناس نفسيًّا هو أحد أساليب المواجهة، ومن أدوات التحرر، لذلك يجب أن يكون هناك اهتمام سياسي وحكومي في موضوعات الصحة النفسية.

وحصولها على لقب "المميزون في علوم وطب النفـس" يسعدها شخصيًا، وتتمنى أن تكون هذه الجائزة رافعة لمواضيع أخرى تتعلق بالصحة النفسية في فلسطين، آمله أن يكون لديها المزيد من الوقت لتتفرغ للكتابة، وتكون شاهدة أمينة على ما تعلمته من المرضى وأهاليهم، وتشارك الآخرين الدروس المستفادة وتكتب أكثر في مجال الصحة النفسية وعلاقتها بالحياة العامة في فلسطين لكونها غنية بالتجربة، إذ يمكن أن تكون نموذجًا لتصدير الدروس في الصحة النفسية.

وتأسست شبكــة العلــوم النفسية العربية عام 2000، وهي تشجع العمل العربي في مجال الطب والعلوم والصحة النفسية، ومن ضمن نشاطاتها منحها جوائز في نهاية كل عام للإصدارات المهمة، والتي تغني المكتبة العربية في مجال العلوم النفسية.