فلسطين أون لاين

من بيتها المهدد بالإخلاء

تقرير "أم جاسر" تؤازر جيرانها في معركة مقاومة التهويد بالشيخ جراح

...
المقدسية أم جاسر
القدس-غزة/ مريم الشوبكي:

أمام عتبة بيتها في حي الشيخ جراح شرقي القدس المحتلة، تجلس "أم جاسر" قنيبي على كرسي بلاستيكي، تراقب من قرب المواجهات الدائرة بين أهالي الحي والمستوطنين المحميين من جنود الاحتلال الإسرائيلي، لإرغامهم على إخلاء بيوتهم قسرًا.

ورغم كبر سنها رفضت أم جاسر (80 عامًا) الخلود إلى الراحة في بيتها المهدد بالإخلاء، وخرجت لمؤازرة جيرانها من عائلة سالم التي تقاوم لرفض عمليات الإحلال والتهويد الاستيطاني للحي. وبعد ساعات طوال في الكر والفر بين الجنود وأهالي الشيخ جراح، صنعت أم جاسر القهوة ووزعتها على المتضامنين والصحفيين الذي أموا الحي.

لم يتوقف الأمر على ذلك، إذ أصرت المسنة المقدسية على إكرام ضيوف الحي بنفسها، عندما همت بتقشير الفاكهة وتوزيعها عليهم، وظلت ملازمة لهم حتى حل الليل، رغم الآلام التي تضعف جسدها فهي تعاني ضعفًا في عضلة القلب، وغضروفًا في الظهر، وتحتاج للخضوع إلى جهاز تنفس اصطناعي لتفادي الإصابة بأزمة تنفسية.

في مطلع الستينيات تزوجت "أم جاسر" وسكنت برفقة زوجها بيت استأجره في الشيخ جراح، وفي 1973 توفى زوجها. فجأة وجدت "أم جاسر" نفسها مسؤولة عن تربية 6 أطفال وحدها، فهي مغتربة عن أهلها الذين يقومون في الأردن وبدأت معركتها مع الحياة لكي تؤمن معيشة كريمة لهم.

جسدها الذي أنهكه المرض يشي بسنوات صعبة عاشتها "أم جاسر" ما بين تربية أطفالها، والعمل لتوفر دخل شهري يعينها على تربيتهم ودفع إيجار البيت.

بدا صوت أم جاسر متعبًا وهي تتحدث؛ فلم تغفُ عيناها ليلًا بسبب استمرار اعتداءات المستوطنين على بيوت الحي كاملًا. وحينما سألناها عن مشاركتها في دعم المتضامنين والصحفيين بتوفير الأكل لهم، رفعت صوتها: "طبعا بدي أشارك، صحيح إني مريضة، ولكن مش خاينة".

وتضيف أم جاسر لـ"فلسطين": "اليوم يهجرون جيراني، غدًا سيأتي عليَّ الدور، أهالي الحي يحاربون جيشًا كاملًا بصدورهم العارية، بعد أن تخلت عنهم السلطة الفلسطينية، دون أي دعم ومؤازرة".

وتتابع: "لسنا قادرين على العيش في بيوتنا، فأمننا مهدد في كل لحظة، يمكن أن يلقي المستوطنين علينا الحجارة، أو قنابل الغاز، أو رشنا بغاز الفلفل".

بعد وفاة زوجها استمرت "أم جاسر" في دفع الإيجار لأصحاب البيت الأصليين، وبعد وفاتهم، استولت على البيت شركة إسرائيلية، وأصبحت تدفع لهم إيجار البيت، وفي أحد الأيام أرغمها إسرائيلي على التوقيع على ورقة "لا تعلم ماذا كتب فيها" موهمًا إياها أنها لحمايتها ولكنه كان فخًّا منه من أجل التعجيل بطردها من البيت.

تدفع أم جاسر 1200 شيقل ثمن إيجار للمنزل، ناهيك بفاتورة الكهرباء 800 شيقل شهريًّا، و500 شيقل فاتورة مياه.

تبين "أم جاسر" أنها طعنت بمساعدة محامين بالورقة المزيفة التي قدمت من هذا الشخص، ودفعت تكاليف إجراءات القضية أكثر من 40 ألف شيقل، وعليه أمهلتها المحكمة بالبقاء 9 سنوات ومن ثم يجب عليها إخلاء البيت.

ليس لـ"أم جاسر" دخل ثابت لها، وعليها أن ترعى ابنها المريض الذي أصيب بكسر في الظهر في إثر حادث عمل، ويسكن معها برفقة أطفاله الخمسة في البيت ذاته.

عند تصاعد المواجهات يدخل أحفاد "أم جاسر" في حالة من الرعب والقلق، ولا سيما مع تعمد جنود الاحتلال إلقاء قنابل الصوت والغاز على سكان الحي.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فرحلة أحفاد "أم جاسر" اليومية نحو الوصول إلى المدرسة تحفها المخاطر بسبب اعتداءات المتكررة عليهم برميهم بالحجارة، أو بالضرب بالعصي.

منذ أربعة أيام تعيش "أم جاسر" كما عائلات الشيخ جراح، في أرق ليلي، فالمستوطنين يستمرون في الطرق على شبابيك، وأبواب البيوت، بخلاف الحفلات التي يقيمونها، ويزمجرون بأصوات عالية، تمنع المقدسيين من النوم.

وتستنكر المسنة المقدسية تقاعس السلطة الفلسطينية عن حماية أهل الشيخ جراح، ودعم صمودهم بالمال، والمساعدات العينية، ما يدفع الاحتلال للاستقواء على أهالي القدس بعد تخليها الكامل عنهم.

ومن داخل بيتها المهدد بالإخلاء، تؤكد أم جاسر "أنها لن تخلي بيتها، لأنها لن تتخلى عن أرضها وبيتها مما كلفها من ثمن".