تجلس الفتاة الثلاثينية سالي ماضي بثقل على المقعد المجاور لماكينة غسل الكلى في مستشفى ناصر الطبي، حولها رجال ونساء من أعمار مختلفة جاءوا للسبب ذاته.
ومنذ سبعة أعوام تعيش سالي مع آلام مرض الفشل الكلوي، إلى جانب المنغصات التي تمر بها بين كل مدة بسبب انقطاع الأدوية، ومنع الاحتلال الإسرائيلي إدخالها بانتظام، إلى جانب تعطل الأجهزة الطبية والمضخات.
ولدت سالي بكلية واحدة، وهو الأمر الذي يضاعف معاناتها منذ اكتشاف المرض، في إثر إصابتها بالأنفلونزا وتناولها أدوية وأخذها حقنًا لمعالجة الالتهابات وارتفاع درجة الحرارة، "لكن حالة الهزال والإرهاق دفعت أهلها لإجراء تحاليل وفحوصات طبية بينت إصابتها بالفشل الكلوي".
وتبين أن أكثر ما يسبب لها الإعياء الشديد نفاد حُقن "إيبريكس" المستخدمة في تحفيز إنتاج خلايا الدم الحمراء، وإفراز الخلايا الشبكية من نخاع العظم.
وهذا الهرمون مفقود من مخازن وزارة الصحة في غزة منذ بضعة شهور، وحسب إفادة أطباء مختصين هو مهم جدًّا لمرضى القصور الكلوي المزمن ومرضى غسل الكلى، وفقدانه يؤدي إلى عواقب وخيمة على المريض، مع اللجوء إلى بدائل مؤلمة في عملية نقل الدم.
وتحتاج ماضي إلى غسل الكلى ثلاث مرات أسبوعيًّا، تتساءل: "ألا يكفي ما نعانيه من مرض وآلام، ليعاقبنا الاحتلال بمنعه إدخال الأجهزة والمضخات الخاصة بغسل الكلى؟!".
وتضيف: "أخبرنا الأطباء بنفاد هرمون أساسي، وأنهم مضطرون إلى نقل الدم إجراء بديلًا، وهي عملية مؤلمة وتستغرق وقتًا طويلًا".
في حين تمر عقارب الساعات الأربع ثقيلة على أحمد الغوطي من سكان مدينة رفح وهو ينتظر انتهاء عملية الغسل الدموي للكلى، ويلفت إلى أن عدم كفاءة الأجهزة في المستشفيات بفعل تقادمها يؤدي إلى طول مدة الجلسة، وهو ما يزيد من إرهاقه وتعبه.
ويعيش الغوطي (24 عامًا) آلام الغسل الكلوي منذ ثلاثة أعوام وأربعة أشهر، وقد اكتشف الفشل الكلوي لديه بعد ظهور عدة أعراض عليه تنم عن تقدم المرض في جسمه، ما استدعى دخوله مباشرة في عمليات الغسل، كفقدان الشهية، وانخفاض وزنه 20 كيلوجرامًا خلال عام ونصف، وإرهاق عام في الجسد، إلى جانب الدوار والغثيان.
ويطالب الغوطي بتوفير مضخات الغسل الكلوي، وتوفير ماكينات كافية وجيدة للمرضى والمستلزمات الطبية والأدوية التي يحتاجون لها، خاصة أن الكثير منها يحتاج إلى صيانة ومتابعة بسبب الأعطال التي تصيبها، فالاحتلال يمعن في ممارساته غير الإنسانية بحق غزة ومرضاها، رغم أن العلاج حق من حقوقهم.
تهالك الأجهزة
من جهته يتحدث رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى في مجمع الشفاء الطبي د. عبد الله القيشاوي بأن مرضى الغسل الكلوي يحتاجون إلى ثلاث جلسات أسبوعيًّا، تستغرق الواحدة منها تقريبًا 4 ساعات بمعدل 12 ساعة أسبوعيًّا، وإلى جانب ذلك هم بحاجة إلى بعض المستلزمات والمحاليل الطبية والأدوية كعلاج الكالسيوم والألفا وأخرى تفيد في رفع مستوى الهيموجلوبين.
ويشير إلى أن مرضى الكلى يصابون بالأنيميا (فقر الدم)، وتلك الأدوية غير متوافرة باستمرار، وتدخل قليلًا، وبذلك لا يأخذ المريض الجرعات الكافية والمطلوبة للحفاظ على مستوى الدم، ما يستدعي نقل وحدات الدم بالطريقة التقليدية.
ويلفت إلى أن تكرار هذه العملية يؤثر سلبًا في المرضى من ناحية الحياة العامة، خاصة المرضى الذين ينوون زراعة كلى لهم، إذ يفترض ألا عدم إخضاعهم لها.
ويذكر القيشاوي أن الهرمون متوافر في الصيدليات الخارجية، لكنه مكلف ماليًّا ولا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة لغالبية المرضى، فالجلسة الواحدة تكلف نحو 65 شيقلًا.
ويلفت إلى وجود 20 جهازًا من أجهزة غسل الكلى قد تجاوزت الساعات المحددة للعمل، فاستمرار العمل بها لا يعطي الكفاءة المطلوبة، ويؤثر في سحب السوائل من الجسم والأملاح.
ويبين أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي يتسبب في أعطال كثيرة بالأجهزة، ويحتاج بعضها إلى قطع غيار وصيانة يمنع الاحتلال إدخالها، ما يؤدي إلى توقف عمل الجهاز.
ويقول القيشاوي: "توقف أي جهاز من أجهزة غسل الكلى يتسبب في أزمة، لكونها موزعة وفق جدول مقسم على مراحل وساعات، فبعض الأيام يوجد فيها 4 فترات وأخرى 5، الأولى تبدأ 7 صباحًا والخامسة تنتهي مع ساعات الفجر، وذلك مرهق للمريض خاصة مع أجواء الشتاء الباردة، واستهلاك للأجهزة".
ويبين أنه على صعيد أجهزة مجمع الشفاء الطبي هم بحاجة إلى نحو 25 جهازًا ليتمكنوا من القيام بعملية إحلال بدل الأجهزة المتهالكة.
وإذ يبلغ عدد مرضى الكلى في قطاع غزة 1100 مريض تقريبًا؛ يشدد القيشاوي على ضرورة تدخل المنظمات الدولية والحقوقية للضغط على الاحتلال، لإدخال تلك الأجهزة وقطع الغيار والمستلزمات الطبية.