فلسطين أون لاين

يحاربهم الاحتلال في أرزاقهم

تقرير مزارعو السياج يفلحون أراضيهم تحت "طلقة شك"

...
صورة أرشيفية
غزة/ مريم الشوبكي:

تركب الحاجة صفية قديح فجرًا عربة "الكارو" بجوار ابنها خالد وزوجها، والظلام لا يزال يخيم على المكان، يفصلهم كيلومتر واحد عن أرضهم الزراعية الواقعة شرق بلدة خزاعة بمحافظة خان يونس.

صفية (72 عامًا) مزارعة ماهرة، ورثت الزراعة عن والديها، وتزوجت مزارعًا تسابقه إلى المزرعة يوميًّا منذ 45 عامًا، لتباشر الأعمال بيدها بين تعشيب وري وقطف للمحصول، ثم تتفقد الطيور والمواشي التي تشرف على تربيتها أيضًا.

يطلب منها ابنها خالد أخذ قسط من الراحة، تنهره: "مين قالك تعبانة؟!"، تمضي نحو خمس ساعات في العمل، بعد أن تنتهي تحمل المحصول على العربة قاصدة السوق، لبيع جميع ما حصدته، ثم تعود أدراجها إلى البيت.

غير أن هذا المسار اليومي محفوف بمخاطر كبيرة قد تكلفها حياتها وحياة ابنها ومن يرافقهما إلى الأرض الزراعية القريبة من السياج الفاصل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، حيث تتمركز قوات جيش الاحتلال.

التوتر هو الثابت في تلك المنطقة، فغالبًا ما تشهد الأراضي الزراعية الحدودية عمليات إطلاق نار عشوائي على أي شيء يتحرك بمجرد أن يسدل الليل ستائره، لكن لا مهنة تقتات عليها عائلة قديح غير الزراعة، فهي حرفة معظم أهالي بلدة خزاعة، وهذا يعني أن ارتياد الحقول أمر حتمي يوميًّا.

تعمل صفية بيديها في الأرض وعيناها يقظتان تراقبان المكان، خشية إطلاق جنود الاحتلال المتوارين في ثكناتهم ومركباتهم العسكرية النار من بنادقهم، أو من الرشاشات الآلية المنصوبة في أبراج المراقبة المقابلة لها، لمجرد شك بوجود حركة تثير فزعهم في المكان.

ابنها خالد الذي يعيش معها في البيت ذاته يرافقها إلى الأرض الواقعة على مسافة 100 متر من السياج، يساعدها في زراعة الخضار، والورقيات، والعدس، والقمح، والشعير، والبازيلاء، وهي محاصيل تواظب العائلة على زراعتها تبعًا للموسم الزراعي.

يقول خالد (37 عامًا) لـ"فلسطين": "منطقتا خزاعة وعبسان الجديدة معظم سكانهما يعتاشون على الزراعة، ومعظم أراضيهم تقع على الحدود، ومع ذلك يخاطرون ولا يتركونها بورًا، لأنها مصدر الرزق الوحيد لهم".

ويلفت إلى أن معظم المزارعين يستعينون بعائلاتهم، وزوجاتهم، وأبنائهم، وأخواتهم، "بدلًا من استقدام عمال بالمياومة، وبذلك تستفيد العائلة الواحدة أكثر".

ويضيف: "رغم المشقة التي تكابدها والدتي ووالدي ذو الـ85 عامًا إلا أنهما يرفضان الجلوس في البيت والراحة، لأنهما لا يشعران بنفسيهما إلا وهما يفلحان الأرض".

وقبل أن يحلّ الظلام يحزم خالد أمتعته للمغادرة ، في الرابعة عصرًا في الشتاء، والخامسة عصرًا في الصيف، فكلما دخل الليل صار وجودهم مخاطرة كبيرة بحياتهم.

يروي خالد موقفًا هدّد حياته رغم وجود وفد دولي في أرضه: "قبل نحو عامين تقريبًا زارني وفد من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لم تمضِ دقائق حتى أمطرنا جنود الاحتلال بوابل من الرصاص لكي نُغادر المنطقة".

عمليات إطلاق النار ليست الخطر الحقيقي الوحيد الذي يحارب الاحتلال به مزارعي المناطق المحاذية للسياج الفاصل، أيضًا يرش المزروعات بمواد كيميائية تتلفها بالكامل، وعمليات التجريف مستمرة، في ممارسات تُقوّض سبُل العيش الآمن، أحد الأهداف الأساسية للعدالة الاجتماعية التي يحتفل العالم بيومها الدولي في 20 شباط (فبراير) من كلّ عام.

لعب بالنار

قبل نحو أسبوعين جرف جيش الاحتلال أرض المزارع أبي صبري سمور، وأتلف محصول الخضار وشبكة الري بالكامل.

والأرض التي جرفت هي جزء من 100 دونم يستأجرها سمور سنويًّا، وتقع على "الحدود الشرقية" لقطاع غزة، يزرعها بالبقدونس، والجرجير، والسبانخ، والسلق.

ويُوضّح سمور (44 عامًا) لـ"فلسطين" أنه تكبّد خسائر تصل إلى 10 آلاف دولار، تُضاف إلى الديون المتراكمة عليه نتيجة عمليات تجريف، ورش بالكيماويات في أعوام سابقة، لم يستطع سدادها حتى اليوم.

ويُلفت إلى أنه عاش تجربة مماثلة قبل أربع سنوات، عندما رشّت طائرات الاحتلال أرضه بمُبيد كيميائي أتلف المحصول بالكامل.

ويضطرُّ سمور للذهاب إلى أرضه في منتصف الليل مُخاطِرًا بحياته، لتشغيل الآبار بعد عودة التيار الكهربائي، من أجل ريّ الشجيرات الورقية في هذا الوقت.

ويؤكد سمور تمسّكه بزارعة أرضه رغم كلّ التهديدات الإسرائيلية التي تُواجهه، فلا بديلَ أمامه، لافتًا إلى أنّ ترك الأرض بُورًا يجعلها مَطمعًا للاحتلال من أجلِ السيطرة عليها، ومنع المزارعين من الاقتراب منها مُجدّدًا.

ويُشبّه سمور الزراعة في الأراضي "الحدودية" باللعب بالنار، لأنّ الاحتلال لا يُؤمنُ جانبه، فقد يُطلق النار على المزارعين في أيّ وقتٍ دون إنذارٍ، فعدد منهم لقيَ حتفه وهو يزرع أرضه.