فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تضم في وضعها الطبيعي 220 نوعًا بيولوجيًّا نابِضًا بالحياة

تقرير بعد أن استوطنتها القوارض.. مشروع بيئي واعد لإحياء "محمية غزة"

...
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

عقود من الإهمال شهدها وادي غزة حولته لـ"مكرهة صحية" بدلًا من "محمية طبيعية"، على الرغم من أهميته للتوازن البيئي، لكن عدة مبادرات ومشاريع ظهرت في السنوات الأخيرة تستهدف إعادة إحياء "الوادي" يشارك فيها عددٌ كبيرٌ من الشباب الغزي.

ويشارك الشاب محمد أبو رجيلة ضمن 30 شابًا في المسار البيئي لوادي غزة، ضمن حملة التوعية بأهمية المكان التاريخية والحيوية.

وإذ يلفت إلى أنه منذ زمن طويل، كلما رأى الوادي تساءل في نفسه متى سيعود إلى سابق عهده، تجري في مياه صافية غير آسنة، بين أن المشاركة في مشروع إحياء الوادي محمية طبيعية أضاف له الكثير من الأشياء، كالمعرفة والبحث في تاريخ الوادي وسكانه الأصليين والتنوع النباتي والحيواني فيه والمكان الذي ينبع منه.

أمل التغيير

في حين بين الناشط الشبابي عبد الحكيم عوض "المشارك أيضًا في الحملة التي تستمر قرابة أربعة أشهر لتوعية السكان والشباب بأهمية الوادي" إلى أن دافعه الأساسي للمشاركة في مشروع إحياء وادي غزة هو شعوره بالمسئولية المجتمعية تجاه الوادي ولتعزيز مفهوم المواطنة الفاعلة، "فالكثير من السلوكيات الخطأ أدى لتدهور وضع الوادي".

وبين أن المشروع غير نظرته المسبقة عن الوادي تمامًا، "كانت نظرتي له بكل صراحة أنه مكان سيئ جدا ولا يصلح للحياة أو حتى الزيارة لكن بعدما شاركت بالحملة تجدد الأمل والدافعية تجاهه، وصار عندي تصوّر جميل جدًا للوادي وأنه سيعود محمية طبيعية ومزارًا سياحيًا بهمتنا وهمة المجتمع".

مورد طبيعي وسبيل للعيش

وحملة التوعية بوادي غزة هي جزء من مشروع متكامل تحت اسم "برنامج حماية وتطوير وتنمية منطقة وادي غزة الساحلية الرطبة"، يتبناه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عام 2017م.

وتهدف حملات التوعية والمناصرة المبتكرة -ضمن المشروع- للوصول للمجتمع المحلي وأصحاب العلاقة المختلفين، وتسليط الضوء على أهمية وادي غزة محمية طبيعية، واسترجاع القيم الأساسية للمكان، والتنوع الحيوي الذي يشتمل عليه، وضرورة استثمار الجهود والموارد من أجل تنميته.

ويهدف المخطط العام لمشروع تطوير وادي غزة، إلى حماية الصحة العامة في قطاع غزة بالإضافة إلى الحفاظ على حماية موارده الطبيعية من خلال استعادة وإعادة تأهيل وادي غزة محميةً طبيعيةً معترفًا بها وأراضيَ رطبة ساحلية، كما يوضح منسق المتابعة والتقييم في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، محمد أبو شعبان.

وسيعمل المشروع الواعد الذي تقدر تكلفته الإجمالية بنحو 66 مليون دولار، على تعزيز سبل العيش لسكان المدن والقرى والبلدات المجاورة للوادي من خلال تطوير المرافق الترفيهية والزراعية والمائية وخلق فرص عمل من خلال أنشطة البرنامج المختلفة.

والمجموعة المستهدفة المباشرة للبرنامج هم 120 ألف نسمة يجاورون ويحيطون بوادي غزة، تتعرض الصحة العامة لهؤلاء للخطر بسبب تحول الوادي لمكره صحية.

مشروع متكامل لخمس مناطق

وترتكز خطة إعادة إحياء الوادي، وفقًا لأبو شعبان، على إقامة خمس مناطق: الأولى شرق الوادي ستكون بمنزلة بوابته العليا يربطها جسر يمر فوقه لتتصل بالمنطقة الخضرية في جنوبه تسمح بمرور الدرجات وعربات الأطفال، وستكون مناسبة للتخييم، وسيقام على طوال الوادي ممر شجري للمشاة. 

والمنطقة الثانية ستكون بمنزلة البوابة المركزية للوادي تقع مباشرة في منتصف وادي غزة، حيث الأراضي المغطاة بأشجار الزيتون ويمكن أن تتحول إلى حديقة خاصة.

وبين أبو شعبان أن المناطق الزراعية ستشكل حزامًا طبيعيًا واقيًا على طول الوادي، في حين سيزرع مجرى الوادي بالنباتات المائية، وسيعاد الاهتمام بخمس مناطق أثرية مندثرة على طوله.

ويفيد بأن المنطقة الثالثة رياضية قريبة من الوادي تتبع لبلدية النصيرات وستشمل كل الأنشطة الرياضية لجميع الأعمار.

أما المنطقة الرابعة فاختيرت قريبة من أحد الجسور الرئيسة، في أكثر مناطق الوادي اتساعًا وستشمل إطلالات جميلة على الوادي من خلال الكورنيش، وقد صمم المكان لاستيعاب مرور الفيضانات المحتملة. كما ستشمل على متحف التنوع البيولوجي الذي سيعرض الكائنات التي تعيش بالوادي والكائنات البحرية لقربه من البحر المتوسط ومركز للتعلم.

ويذكر أبو شعبان أن المنطقة الخامسة تمثل بوابة وادي غزة البحرية، وستشمل مكتبا إداريا ومقهى ومطعما صغيرا وأبراجا لمراقبة الطيور المهاجرة، وموقف سيارات وجسرًا للمشاة.

تنوع بيولوجي كبير

وتعود مشكلة وادي غزة إلى السبعينيات، عندما شرع الاحتلال الإسرائيلي في إنشاء سدود تحوّل المياه الطبيعية التي تغذيه من أعلى جبال مدينة الخليل، إلى الأراضي الزراعية في النقب الفلسطيني، وتحول بمرور الوقت إلى مكب للنفايات ومستوطنة للقوارض والحشرات.

ويواجه الوادي المدرج في القائمة المؤقتة ليصبح أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، عدة تحديات منها: الزحف العمراني، وشح الأراضي، وتحوله خلال الفترة السابقة لمصب لمياه الصرف الصحي غير المعالجة، كما أنه في مواسم الأمطار الشديدة يشكل أحد أهم المخاطر على حياة السكان حيث فرص الفيضانات تكون عالية جدا من شأنها إهلاك أرواح وممتلكات السكان المحيطين.

ويُعاني الوادي تغييرا عميقا بسبب عقدين من انخفاض تدفق المياه العذبة إليه، والتطوّر الحضري والبنيان الزاحِف، إلى جانب التلوث البيئي، والاستخدام المكثف لمبيدات الأعشاب ومبيدات الآفات، في حين تُجرى المُحاوَلات لاسترداد قيم الوادي الأصيلة والتاريخية، من التنوّع البيولوجي فيه لكونه محمية للحيوانات والطيور المُهاجِرة والنباتات، بغرض الحفاظ على البيئة وإنهاء كل أشكال تلوث الوادي.

وتضُم محمية وادي غزة في وضعها الطبيعي ما لا يقل عن 154 نوعًا من الفقاريات الأرضية، وأبرزها الطيور، كما أنها تدعم نباتات متنوعة تضم 70 نوعًا، وهي تُعتبر بيئة بيولوجية نابِضة بالحياة، وقد تخلّصت "جزئيًا" من الرائحة الكريهة فيها بسبب توقف وصول المياه العذبة بفعل السدود الإسرائيلية، إلى جانب تدفق مياه الصرف الصحي إليها، وذلك بعد مُعالجة تلك المياه في محطة المُعالجة المركزية وسط قطاع غزة.