تتجول عربات تجرها الدواب وأخرى معروفة باسم "التوك توك"، في أحياء قطاع غزة، وظيفة من يقودها جمع المخلفات الصلبة بأنواعها.
ويختص عدد كبير من أصحاب العربات في مهنة جمع مخلفات المعادن، التي ازدهرت مؤخرا في القطاع المُحاصر من الاحتلال الإسرائيلي منذ عقد ونصف من الزمن.
وتُعرف مخلفات المعادن باسم "الخردة"، وهي منتجات أو معدات أو أجزاء معطلة أو منتهية الصلاحية أو تالفة أو غير مستخدمة، مثل وسائل النقل التي انتهى عمرها الافتراضي أو خرجت من الخدمة نتيجة حوادث، وأصبح تصليحها غير اقتصادي.
كما تشمل أجهزة الكمبيوتر القديمة أو المتعطلة والأجهزة الإلكترونية والتجهيزات المنزلية والصناعية والآلات التي خرجت من الخدمة، والأسلاك الكهربائية والبطاريات المنتهية الصلاحية والعدد الكهربائية والميكانيكية والهوائية المعطلة.
ويقضي محمد قديح (31عاما) نحو عشر ساعات يوميا في التجول وجمع المخلفات الصلبة وخصوصا المعادن على عربة توك توك، في أحياء ومخيمات رفح جنوب قطاع غزة.
ويعلو صوته مناديا عبر مكبر صوت صغير "ألومنيوم نحاس حديد للبيع، مواتير غسالات مواتير ثلاجات للبيع، إلِّي عنده بلاستيك للبيع".
ويبتغي قديح إعالة أسرته المكونة من خمسة أفراد، من وراء مهنته التي وصفها بـ"الشاقة والمُتعبة"، صيفا وشتاء، خصوصا أنه يخرج من منزله شرق خان يونس الساعة السابعة صباحا.
ويقول لصحيفة "فلسطين": "أمارس هذا العمل منذ ثلاث سنوات، ولا يوجد بدائل أفضل، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وما ولده من ظروف اقتصادية صعبة".
ويضيف قديح: "ما أشتريه من خردة وأجمعه يوميًّا، أبيعه كل أسبوع لتاجر الخردة، بهامش ربح بسيط، والذي بالكاد أوفر من ورائه قوت أطفالي ومستلزماتهم الحياتية".
ووفق تقارير دولية فإن انتشار المخلفات المعدنية، يؤدي إلى مخاطر بيئية وصحية جسيمة، تبدأ بالتلوث الجمالي وتشويه الصورة الحضارية للمدن والقرى والسواحل البحرية، وتنتهي بالأضرار البيئية المترتبة على تحلل هذه المخلفات بمرور الزمن بفعل التآكل المعدني وما يسببه من انتشار الصدأ وتسرب الزيوت والمعادن الثقيلة إلى التربة والمياه.
وتوضح التقارير أن المخلفات المعدنية تزداد كمياتها نتيجة للتطور التقني والنمو السكاني، واشتعال الصراعات والحروب، لكنها في المقابل، أصبحت تجارة تسهم بفعالية في الاقتصاد العالمي من خلال توفير مصادر جديدة للمواد الخام وإحداث وظائف خضراء لفئة كبيرة عاطلة عن العمل.
تاجر الخردة وأحد مُصدّريها للأراضي المحتلة عبر حاجز كرم أبو سالم، صبحي إبراهيم أبو جامع (52 عاما) أوضح أن اثنين من أبنائه يساندانه في مشروع فرز مخلفات المعادن وتجهيزها للتصدير إلى جانب عشرة عمال، في بركس وساحة للعمل على مساحة دونمين من الأرض في بلدة عبسان شرق خان يونس.
وقال لصحيفة "فلسطين": "أعمل في هذه المهنة منذ عشرين عاما، وهي مصدر رزق لأكثر من ألف نسمة"، مشيرا أنه يشتري المخلفات المعدنية من عشرين نقطة فرعية لجمع المخلفات المعدنية موزعة في جنوب قطاع غزة.
وأضاف أبو جامع: "كل نقطة يعمل لصالحها نحو عشرين عاملا، معظمهم يعيلون أسرهم"، مشيرا أنه يتم فرز المخلفات المعدنية في النقاط الفرعية إلى حديد قابل للصدأ وحديد مقاوم للصدأ "ستانلس ستيل" ونحاس وألومنيوم، وكل معدن منها على حدة.
وأشار إلى أنه يشتري كل أسبوع كمية تقدر بـ 45 طنا من المخلفات المعدنية ويصدرها، قائلا: "لدينا ماكينة تُعرف باسم مكبس، يتم فيها طي الحديد في مساحة صغيرة على شكل مكعبات، ثم يتم وضع المكعبات على مشاطيح وربطها، ورصها فوق بعضها البعض استعدادا لنقلها عبر شاحنات من أجل تصديرها عبر حاجز كرم أبو سالم".
ونبه أبو جامع إلى وجود ثمانية تجار في قطاع غزة يصدرون مخلفات المعادن، الألومنيوم والحديد والنحاس، في حين يوجد نحو ثلاثين تاجرا يعملون في جمع وتصدير الحديد فقط.
ومن أبرز العقبات التي تواجه المهنة، أولا أزمة الكهرباء، لكون العمل مرتبط بشكل وثيق بوجود التيار الكهربائي، وثانيا تحكم الاحتلال الإسرائيلي في المعابر وعملية التصدير، وفق أبو جامع، قائلا: "الاحتلال يضع العقبات أمام تصدير الخردة، ويمنع التصدير في بعض الأحيان لمدة تزيد على عشرة أشهر، ثم يسمح به، لضرب اقتصاد غزة ووقف عجلته".
ولفت إلى أن قطاع غزة يفتقر للمصانع والمعدات والآلات الثقيلة التي من شأنها أن تعيد تدوير مخلفات المعادن بسبب الحصار، لذلك الحل الوحيد للتخلص من النفايات هو جَمْعُها وتصديرها، ولا سيما أن انتشارها يتسبب بتلوث البيئة.