ظلّت منطقة باب الخليل في مدينة القدس المحتلة، هدفاً إستراتيجياً لسلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، حتى بدأت آليات القمع التابعة لما يُسمى بسلطة الآثار الإسرائيلية وبلدية الاحتلال في القدس في هذه المرحلة، بأعمال تجريف واسعة، تحمل في طياتها مخاطر جمّة على السياحة التي تعاني ركودًا منذ بداية جائحة كورونا.
وتسعى سلطات الاحتلال لتهويد "باب الخليل" وطمس معالمه وهويته الإسلامية، تمهيداً لتحويله إلى مجمع سياحي يهودي، ضمن محاولات خلق تاريخ يهودي مزيّف على أرض فلسطين وتحديداً مدينة القدس.
وتتركز أعمال التهويد وسط منطقة "باب الخليل" وهو ما يُعرف بساحة "عمر بن الخطاب" والتي تشكل واحداً من أهم المراكز السياحية في المدينة، وتوجد هناك مجموعة من الفنادق وعدد كبير من المتاجر السياحية التي كانت حتى وقت قريب تستقبل أفواجاً كبيرة من السياح الأجانب.
كما تطال أعمال التجريف أسفل الجدار الغربي لقلعة القدس التاريخية، حيث مسجد النبي داود، تمهيداً لبناء سوق ومجمع تجاري سياحي في باطن الأرض لاستقطاب الحركة التجارية والسياحية الوافدة، وتحويل الدخول إلى البلدة القديمة من القدس عبر باب الخليل بعد ربطه بشارع يافا والتجمعات اليهودية في القطاع الغربي المحتل من مدينة القدس.
يقول خبير الخرائط والاستيطان خليل التفكجي، إن ما يجري في "باب الخليل" هو عملية "تغيير المشهد" بالكامل، إذ يضم مشروع التهويد الإسرائيلي إقامة جدران وجسور في المنطقة كونها ملاصقة لغربي القدس.
ويوضح التفكجي لصحيفة "فلسطين"، أن سلطات الاحتلال بدأت بإقامة منطقة بعدما تم إزالة المنطقة الصناعية التي كانت موجودة منذ عام 1967، بغرض تغيير معالمها، مضيفاً أن "هدف الاحتلال هو جعل القادم من غربي القدس إلى شرقها، لا يشعر بأي تغيّر بين المنطقتين".
وبحسب قوله، فإن المشروع الإسرائيلي عبارة عن ممر متكامل من غربي القدس مروراً في منطقة ميدان "عمر بن الخطاب" ثم الحي الأرمني، وصولاً لحائط البراق، دون وجود أي عوائق أمام السائح الأجنبي أو المصلي الإسرائيلي.
وأضاف أن "هذا مشروع سياحي ضخم سيقام في المنطقة، بعدما أنهت لجان التخطيط التابعة لبلدية الاحتلال عملها ووضعت الخرائط والأمور اللوجستية، وبدأت بتهيئة المكان ووضع المعدات والجرافات لأجل تنفيذ هذا المشروع خلال عام 2022".
وبيّن أن مساعي الاحتلال تتمثل بخلق رواية يهودية بأسلوب جديد ضمن محاولاتها إثبات وجودها التاريخي في تلك المنطقة، مشيراً إلى وجود قلعة القدس أو ما تُعرف بـ "قلعة اليهود" التي يعتبرها الاحتلال جزءاً من التاريخ اليهودي.
وأوضح أن هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 130 دونماً تعيش في حالة من الخطر منذ عام 1967، أي حينما تم إزالة المنطقة الصناعية التي كانت قبل عام 1948 وارتفعت وتيرتها منذ عدة شهور، لافتاً إلى محاولات تحويل منطقة "مأمن الله" إلى مولات إسرائيلية من أسلوب قديم إلى حديث لخلق تاريخ يهودي.
الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية، استعرض تاريخ منطقة "باب الخليل"، إذ تقع في الجزء الغربي لمدينة القدس وتعتبر من أعلى الأماكن في منطقة القدس، وأكثرها ضعفاً من الناحية الاستراتيجية، لذلك أقيمت عليها عدّة قلاع على فترات تاريخية متعاقبة.
وأفاد أبو شمسية لصحيفة "فلسطين"، بأن باب الخليل من أحد الأبواب القديمة التي تعود للفترة الرومانية ثم سُمي بـ "باب يافا" لأنه وجهته غربية باتجاه مدينة يافا، إلى أن تم تسميته "باب الخليل" منذ الفترة المملوكية.
وبيّن أن أبرز الأسباب التي ساهمت بتهويد المكان وأسرلته، هو قربها من أحد الأسواق الرئيسية في غربي القدس، بالإضافة إلى وقوع الباب على ما يُسمى خط التقسيم.
وأوضح موقع "باب الخليل" وقربه لكثير من الأحياء اليهودية جعله محط أنظار بلدية الاحتلال وما تُسمى سلطة الآثار في القدس، كونه يمكن التلاعب في تحويل الأهمية من باب العامود إلى الخليل، عبر إقامة مشاريع استيطانية متعددة.
وذكر أن من هذه المشاريع الاستيطانية إقامة ما يسمى "كنيون" -محطة حافلات-، فيما يعتزم الاحتلال إقامة استراحة بالقرب من القلعة وقاعة للمحاضرات في الجزء المقابل للباب تماماً.
وعن انعكاسات هذه المشاريع على المنطقة التي وصفها أبو شمسية بـ "الخطيرة"، مشيراً إلى أن الاحتلال يسعى لتحويل الاستقطاب السياحي من باب العامود إلى "الخليل"
وبيّن أن هذه المشاريع تكسر مفهوم الاقتصاد العربي داخل مدينة القدس، ويحوله إلى اقتصاد هش، لافتاً إلى الاستقطاب الديموغرافي الذي سيفقده باب العامود، "وهو أسلوب آخر للابتعاد عن الأسلوب الإسلامي".
وكانت حكومة الاحتلال قد رصدت ميزانية بقيمة 40 مليون شيكل (نحو 1 3 مليون دولار)، لتنفيذ أكبر عملية تغيير معالم في المنطقة، الأمر الذي بات يشكّل قلقاً كبيراً لدى المقدسيين، خوفاً من أن يؤدي المشروع الإسرائيلي إلى انتكاسة إضافية للحركة التجارية والسياحية في البلدة القديمة من القدس.
وتعاني هذه الحركة من ركود تجاري شبه تام ازداد تدهوراً مع جائحة كورونا، ودفع العديد من التجار المقدسيين إلى إغلاق محلاتهم بحثاً عن مصادر رزق لعائلاتهم.

