اعتبرت الجبهة الديمقراطية القرارات التي خرج بها المجلس المركزي في نهاية اجتماعاته بأنها خطوة إلى الأمام ولكنها ناقصة، معربة عن أملها في وقف العمل باتفاقية أوسلو، مشيرة إلى أن مشاركتها بالأساس جاءت حفاظًا على حالة (الإجماع الوطني)، وحرصًا منها على المساهمة الفاعلة في اتخاذ قرارات مصيرية للخروج من مسار أوسلو، وأنها ذهبت مسلحة بمبادرة سياسية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وأن هذه المبادرة طرحت على المجلس وشكلت وثيقة من وثائقه، وكان ذلك مناسبة لإجراء حوارات حولها مع مختلف المكونات الوطنية.
وفي ذات الوقت أشارت وبشكل واضح أن قرارات المجلس لم ترقَ إلى "درجة الوضوح" والروح العملية التي تضمنتها المبادرة، وأنها ستواصل النضال من أجل الضغط لاعتماد المبادرة مدخلا للخروج بالحركة الوطنية من المأزق الذي هي فيه إلى رحاب الوحدة والشراكة الوطنية، معتبرة وفق وصفها بأن مبادرتها أكثر "توازنًا" وقربًا من روح الشراكة بدلًا من الدعوات إلى مجلس وطني جديد يجري تقاسمه بالمحاصصة بين "طرفي الصراع الداخلي" وفق المفردات التي استخدمتها.
وهنا لنا وقفة مع الديمقراطية في نقاط عدة تضمنها البيان وأيضًا مرتبطة بمشاركتها في هذا المجلس الانفصالي غير التوافقي، فالحديث عن أن المجلس اتخذ قرارات مهمة يمكن اعتبارها بأنها خطوة للأمام هي مجرد محاولات يائسة لتسويق الوهم والتغطية على الفشل الذريع الذي مني به المجلس، وخطوة غير مسؤولة لتسويقه بطريقة "مستهلكة ومكشوفة" بعد الحرج الذي وقعت فيه الديمقراطية وقوى أخرى تورطت في المشاركة بعد أن وجدت نفسها مجرد ديكور لإنجاح عقد المجلس دون أن يكون لها أي تأثير من ناحية فرض رؤيتها أو المساهمة في دفع المجلس لاتخاذ قرارات وطنية.
فمن يقف أمام تفاصيل البيان الذي يدافع عن قرارات المجلس المركزي يشعر كم (العجز والحرج) الذي وقعت فيه الديمقراطية وهي تسوق إلى أن المجلس اتخذ قرارات منها إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة بكل الاتفاقات الموقعة مع دولة الاحتلال، وتعليق الاعتراف (بإسرائيل) إلى أن تعترف بدولة فلسطين وتوقف الاستيطان، والتأكيد على وقف التنسيق الأمني بكل أشكاله والتحرر من العلاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها اتفاق باريس، على الرغم من أن هذه القرارات اتخذت مرارًا في اجتماعات ودورات سابقة دون أن تطبق أي منها، فما الذي تغير هذه المرة؟ هل باتت السلطة وقيادة المنظمة أكثر وطنية من السابق؟ لا أعتقد ذلك وتعلم الديمقراطية أن اي من القرارات التي اتخذت لن ينفذ لاعتبارات مختلفة.
لكنها لا تريد أن تصدر بيان تظهر فيه بأنها نادمة على المشاركة، وفي ذات الوقت لا تملك القدرة على مهاجمة المجلس؛ لأنها أصبحت مشاركة بعد أن تم استدراجها بصورة غير مقبولة حتى يستخدم حضورها لتمرير قرارات غير وطنية أبرزها توزيع الحقائب على الورثة الجدد، وتسويق الاجتماع على أنه اجماع والتفاف وطني كبير حول رئيس السلطة محمود عباس، بينما هو في الحقيقة خلاف ذلك، فقد قاطعت 4 فصائل فلسطينية من داخل المنظمة اجتماعات المجلس المركزي وهم " الجبهة الشعبية، وحزب المبادرة الوطنية، والجبهة الشعبية -القيادة العامة، وطلائع حزب التحرير الشعبية، هذا إضافة لرفض حركتا حماس والجهاد الإسلامي عقد المجلس بهذه الصورة.
لذلك فإن انعقاد المجلس المركزي ومخرجاته جاء ضمن محددات خاصة أبرزها محاولة حركة فتح ترتيب أوراقها مجددًا بعد أن اضطرب صفها الداخلي وتنامت الخلافات البينية بين كوادرها وقواعدها عقب إلغاء الانتخابات التشريعية العام الماضي، وبروز تيارات مختلفة ذات توجهات متباينة من داخل الحركة بسبب خشية الكثير منهم على مواقعهم وامتيازاتهم الخاصة، وأملهم في نيل فرص إضافية في أماكن فاعلة ومؤثرة في سلم قيادة الحركة والسلطة، فالتعيينات الجديدة ومنها تكليف كل من: حسين الشيخ، ومحمد مصطفى، وروحي فتوح، لم يكن نتاج عملية ديمقراطية إنما انتقاء مباشر بتوجيه من رئيس السلطة محمود عباس لكون هؤلاء ضمن التيار أو الدائرة المقربة منه، ويرى فيهم أمناء على استكمال المسار الذي خطه عباس.
فهناك خشية من حدوث فراغ مؤسساتي إن لم يتم ترتيب الأوراق في هذه الفترة خصوصًا في ظل إمكانية غياب رئيس السلطة بشكل مفاجئ بسبب مرضه ولكونه طاعنًا في السن وتجاوز الـ(84) من العمر، فالترتيبات يأمل منها تأمين انتقال سلس وسلمي للسلطة وفرز قيادات جديدة تكون جاهزة لأي احداث أو متغيرات طارئة، بغض النظر عن شرعية هذه الخطوة والتي تتسم بعدم الشفافية وغير القانونية، فالمهم عند هؤلاء هو فرض أمر واقع جديد يكون استحقاق على الشعب الفلسطيني يجب الاعتراف به والتعامل معه.
وأما ما يشاع وما يقدم من قرارات أخرى في مواجهة الاحتلال فهي مجرد فقاعات في الهواء أو بالونات فارغة لن تجد أي فرصة للتنفيذ لأن السلطة لا تملك القدرة على اتخاذ أي قرار ضد الاحتلال لأنها وبكل بساطة وكيل أمني له وتسهل مهامه في الأراضي الفلسطينية وتتغذى على التنسيق الأمني لتقوية سلطتها في مواجهة شعبنا، وليس لها أي مشروع سياسي سوى التشبث بمشروع التسوية المتهالك واستجداء الرضا الإسرائيلي، ولو كان المجلس يمكن أن يشكل أي خطر على أمن ومصالح الاحتلال لتم منع انعقاده أو حتى اعتقال بعض أعضائه أو حتى مهاجمته بأي صورة، لكن للأسف الاحتلال هو من سهل وصول أعضائه وكان حريصًا على انعقاده لأنه يعلم تمامًا بأن الترتيبات التي تجري في إطار التوافقات المسبقة وبما يضمن تنفيذ مخططاته الكبرى الرامية إلى تعزيز دور فريق التسوية في مواجهة القوى الوطنية الفاعلة.
وعليه فإن الدفاع عن قرارات المجلس المركزي من قبل الديمقراطية وغيرها من القوى المشاركة هو عمل مؤسف، بل تصرف غير مسؤول، وتضليل لشعبنا وخداعه بقرارات رصيدها صفر على أرض الواقع، والأصل التراجع خطوة للوراء ومصارحة شعبنا الفلسطيني بأن المجلس كانت له أهداف أخرى غير معلنة، وأن مخرجاته هي مجرد عناوين صاخبة لاستعطاف شعبنا الفلسطيني بعد فقدانه الثقة بهذه المنظومة القيادية وانفضاضه من حولها نتيجة الانتكاسات السياسية التي منيت بها مرارًا وتخلي هذه القيادة عن مسؤولياتها وتخاذلها عن القيام بأي دور وطني في كل المحطات.