لم تكن حادثة الاغتيال التي نفذتها قوات اليمام الخاصة التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي عبر تسلُّلها إلى مدينة نابلس متنقلة بسيارة تحمل لوحة أرقام فلسطينية، لتنقضّ على ثلاثة شبان يستقلّون سيارتهم بأمان على سفح جبل النار، بالأمر الغريب على الاحتلال، ولكنّ الغريب أنّ تخرج قيادات السلطة لتطالبَ المجتمعَ الدوليَّ بتوفير حمايةٍ دوليةٍ للشعب الفلسطيني.
والأغرب أن تخرج هذه الدعوة من قِبل حسين الشيخ، مرشح فتح لخلافة الراحل صائب عريقات في منصبه بأمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إضافة إلى منصبه الحالي في رئاسة الهيئة العامة للشؤون المدنية، ممّا يجعله مسؤولا عن ملف العلاقة مع (إسرائيل)، وكلّ ما يتعلق بذلك من إدارة ملفات أموال المقاصّة، والتصاريح ولمّ الشمل و"التسهيلات الاقتصادية" وغيرها، وهو الرجل ذاته الذي التقى وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بني غانتس برفقة رئيس السلطة محمود عباس، ثم التقى منفردًا بوزير خارجية الاحتلال يائير لبيد، ليحصدَ عشرات بطاقات الـ(VIP) وبضع مئات من تصاريح لمّ الشمل.
"الشيخ" لم تسعفه ذاكرته أثناء لقاءاته بقادة الاحتلال للحديث عن الاقتحامات اليومية لمدن الضفة، وما يُفرَز عنها من اعتقالات ونهب وتدمير للمنازل الفلسطينية، عدا عمّا تقوم به قوات الاحتلال من هدمٍ لمنازل المواطنين وما يُمثّل ذلك من انتهاكات تندرج تحت سياسة العقاب الجماعيّ ضدّ الشعب الفلسطيني.
والسؤال الذي يفرض نفسه، على بيانٍ صحفي أصدره "الشيخ" صباح اليوم، جاء فيه" للمرة الألف نطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية لشعبنا من بطش الاحتلال وعنفه وإجرامه": لكن "ماذا عن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة؟
وبحسب إحصائية رسمية، في آذار/مارس 2021، تستحوذ المؤسسة الأمنية البالغ عدد أفرادها 53 ألفاً على نحو 20 في المئة من موازنة السلطة (مليار دولار)، غالبيتها تذهب كرواتب، إذ يحمل 92 في المئة من أفرادها رُتباً عسكرية مرتفعة.
مهمة هذه الأجهزة أن تردَّ المستوطنين التائهين أو المُدّعي التيه في أراضي السلطة إلى سلطات الاحتلال سالمين، كما حصل مطلع سبتمبر الماضي عندما أنقذت أجهزة السلطة مستوطنين تسلّلوا إلى دوار المنارة في قلب مدينة رام الله بالضفة الغربية، واكتشفهم المواطنون وانهالوا عليهم رميًا بالحجارة، قبل أن ينقذهم أفراد من أجهزة السلطة وتخليصهم وردّهم سالمين إلى جيش الاحتلال.
وفي المقابل، تتسلّل قوات الاحتلال إلى قلب نابلس لتغتال ثلاثة فلسطينيين بالقرب من منطقة (المخفية) القريبة من أحد مراكز الأمن التابع للسلطة، لتأتيَ قيادات السلطة المتنفّذة صاحبة العلاقة المباشرة مع قيادات الاحتلال مثل الشيخ" لتطالب بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني!
ومن المهم في هذا المقال أن نُذكِّر بتصريح لرئيس حكومة رام الله محمد اشتية، قال فيه: " أُعبّر عن فخري بشهادة الخبراء الدوليين الذين قالوا إنّ أداء المؤسسة الأمنية الفلسطينية هو الأفضل في الشرق الأوسط"، علمًا بأنّ أفراد أجهزة السلطة ينسحبون إلى داخل مقارّهم مع أيّ اقتحامٍ لجيش الاحتلال الإسرائيلي لمراكز المدن والقرى الفلسطينية بالضفة الغربية.
إنّ هذا التصريح – اشتية- يؤكد أنّ العقيدة الأمنية التي تشرّبتها أجهزة السلطة والتي قبلت بأداء دورها الوظيفي في حماية أمن الاحتلال ومستوطنيه المعربدين في الضفة، على حساب عقيدة التحرُّر الوطني وميثاقه الذي تخلّى عنه المجلس الوطني في اجتماعه عام 1998 بحضور الرئيس الأمريكي في حينه بيل كلينتون.
وفي الوقت الذي نادت فيه قيادة "حماس" لتفعيل المقاومة ضد الاحتلال وصدّ عدوانه على الشعب الفلسطيني وممتلكاته وأراضيه من خلال مؤتمر "الاستيطان إلى زوال" الذي عقدته في غزة أمس، يُطل علينا "الشيخ" اليوم ليطالب بحماية دولية!