منذ انطلاقتها في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 1965 وحتى يومنا هذا مرت حركة فتح بسلسلة أحداث وتطورات تخللها انشقاق شخصيات بارزة عنها، لتشكل فصائل وتجمعات جديدة منافسة ومناوئة لها في توجهاتها السياسية التي تغيرت بمرور السنوات، وخاصة بعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات زعيم حركة فتح ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004.
عام 1965 اندمجت جبهة التحرير الفلسطينية بزعامة أحمد جبريل وعلي بشناق مع حركة فتح، وانضمت إليهما الجبهة الثورية لتحرير فلسطين بزعامة يوسف عرابي، لكن سرعان ما تفكك هذا التحالف، بعد مقتل عرابي، واتهام سوريا لقيادات من فتح بقتله في حي المزرعة بدمشق بتاريخ 9 مايو/ أيار 1966، في ظروف غامضة.
وفي مرحلة أخرى، وتحديدًا بعد 9 سنوات، شهدت حركة فتح انشقاق مسؤولها بالعراق صبري خليل البنا (أبو نضال) مؤسس فتح- المجلس الثوري التي عرفت حينها باسم منظمة "أبي نضال"، لكن فتح حكمت بإعدامه غيابيًّا عام 1974، تلا ذلك بثلاثة أعوام، انشقاق عضو المجلس الثوري ناجي علوش، وانضمامه للبنا.
وفي مايو من عام 1983 انشقت مجموعة جديدة من قيادات فتح، بسبب الاختلاف مع القيادة الرسمية فيها حول تقييم مرحلة ما بعد بيروت وفي مسألة "محاسبة المقصرين في الحرب" الذين غادروا مواقعهم في اليوم الأول من الاجتياح الإسرائيلي في يونيو 1982.
بعد ذلك تمثلت جل الانشقاقات حول خلافات في وجهات النظر مع قيادة فتح، نظرًا لعدم وجود أيديولوجية محددة لها، خاصة بعد اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) وإدخال خيار "التسوية" السلمي من أجل تحرير فلسطين.
ومن التحولات الحديثة داخل الحركة، فصل عضو اللجنة المركزية لفتح عضوية محمد دحلان عام 2011، والذي قام على إثر ذلك بتشكيل التيار الإصلاحي الديمقراطي لفتح، وبدأ يتوسع التيار شيئًا فشيئًا خصوصًا في غزة.
ومارست السلطة فصلًا تعسفيًّا ضد كل من ينتمي للتيار واتهمته بـ"التجنح". وشكَّل دحلان قائمة لخوض غمار الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة السنة الماضية وقرر رئيس فتح والسلطة محمود عباس تعطيلها.
وكان ناصر القدوة الذي فصلته اللجنة المركزية لفتح من عضويتها اتحد مع الأسير مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية، في قائمة موحدة لخوض الانتخابات التشريعية قبل قرار تعطيلها.
ويرى بسام أبو شريف مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات، أن "حركة فتح لم تعد هي ذات الحركة التي انطلقت قبل نصف قرن، وتحمل شعارات تحرير فلسطين من النهر للبحر"، ليس ذلك فحسب، بل رأى أن "فتح لم تعد ذلك التنظيم الذي يمكن أن تلتئم جراحه بسرعة وينطلق مرة أخرى للأمام".
وأضاف أبو شريف لـ"فلسطين"، أن "حركة فتح الآن أصبحت حركات وليست حركة واحدة، والانقسامات فيها أفقية وعمودية، ولم تعد فتح التي تتمسك بالثوابت الفلسطينية قولاً وفعلاً، والفارق بدأ منذ اغتيال ياسر عرفات".
وبين أن السبب الرئيس الذي دفع رئيس وزراء الاحتلال الأسبق ارئيل شارون، لاغتيال عرفات؛ التصاقه بالثوابت الوطنية، وعدم تنازله بما يناسب الإملاءات الأمريكية في قضايا الأساسية التي تمس جوهر القضية الفلسطينية.
ولفت أبو شريف إلى أن الاحتلال استخدم اتفاق (أوسلو) ككمين لتحطيم منظمة التحرير، وعندما قرر عرفات مقاومة ذلك جاء القرار باغتياله.
وذكر أن "عرفات رفض كافة العروض السياسية التي تمس جوهر الحق الفلسطيني، وكل الاجتماعات التي سبقت اغتياله مع الأمريكيين وغيرهم كانت تركز على الضغط على عرفات للقبول بما لم يقبل فيه من قبل".
وتابع أبو شريف: بسبب رفضه كل الضغوط وصموده وبدء العمل لمقاومة طريقة وجوهر تنفيذ اتفاق (أوسلو)، ومعارضة ومقاومة الأطماع الإسرائيلية في التمدد الذي شاهده بالملموس أدى على اتخاذ قرار ليس في (تل أبيب)، بل إن القرار الأساسي في اغتياله مسؤول عنه جورج بوش الابن عندما كان رئيسًا لأمريكا، وقد منح شارون فرصة الاغتيال من خلال عملاء داخل مقر المقاطعة برام الله، إذ حوصر عرفات هناك لسنوات.
وقال: إن "اغتيال عرفات نقطة فارقة في معرفة طبيعة التناقضات داخل حركة فتح، وإمكانية القضاء عليها من عدمه، وما إن كانت ستنطلق مرة أخرى أم لا"، مضيفًا: "في الحقيقة الفارق نوعي، لأن اغتيال عرفات يمثل اغتيال للثوابت الفلسطينية في حركة فتح، وهذا لا يعني أن جميع من هم داخل فتح تركوا الثوابت وتخلوا عنها، بل إن قيادة فتح أصبحت بلا مشيئة أو قدرة على مواجهة أي انحراف يرتكبه محمود عباس في الاتجاهات السياسية".
واستدرك أبو شريف: "منذ تولي عباس ونحن كفلسطينيين صامتين على الطريقة التي يتعاطى بها محمود عباس مع قضية فلسطين بعد (أوسلو)، وجميع الترجمات لاتفاق (أوسلو) كانت ترجمات تسهل التمدد والتوسع الاستيطاني والقضاء على أي مجموعات وحركات تريد مقاومة الاحتلال".
وأكمل مستشار الرئيس الراحل، أبو شريف: أن هذه "التسهيلات كانت من خلال عباس لالتصاقه بالتنسيق الأمني والاتفاق السياسي وعدم خوض معارك تثبت وتبقي الثوابت الفلسطينية حية في ذهن الجماهير"، حسب قوله.
انحراف إستراتيجي
وأكد أبو شريف أن السنوات الطويلة التي حكم خلالها عباس شرعيًا أو التي حكم فيها بدون شرعية، استخدمت في محاولة لكسر شوكة الشعب الفلسطيني وإلحاق الدمار بعزيمته وإرادته وصموده.
وتابع: "ما يجري داخل صفوف فتح رد فعل طبيعي على الانحراف الاستراتيجي في قيادة فتح. لقد سهل رأس القيادة ومهد الطريق وغمض العين عن كل عمليات إفراغ المشروع الوطني لعدد كبير من القيادات، فأصبح السعي وراء المال والربح الخاص والشخصي قضية كبرى عند معظم قيادة فتح سواء الذين أصبحوا وزراء أو من بقي في التنظيم".
"ولذلك؛ فإن الهبة التي بدأت داخل صفوف فتح وقادها القدوة، كانت هبة في الإستراتيجيات وليس في التكتيكات لإنقاذ ما تبقى من فتح القديمة، وإحيائه وتذكيته ومحاولة نشره مرة أخرى داخل قواعد فتح وفي الشارع الفلسطيني" كما يقول أبو شريف.
"لكن المتمكنين من السلطة والذين يتعاونون مع (إسرائيل) ويعتبرون الرضوخ لإملاءات العدو أمرا طبيعيا اتخذوا كل الإجراءات الإجرامية والتلفيقية وغيرها من أجل الحاق الهزيمة بهذه الهبة" وفق قوله أيضًا.
ونبَّه إلى أن الانشقاقات عن حركة فتح لم تشكل خطرًا عليها أثناء وجود عرفات، والسبب حرصه على اتباع التكتيكات لضمان عدم الوصول إلى الهاوية والسقوط، وذلك بحفاظه على ثوابت لا يمكن التنازل عنها، ومنها القدس والأقصى والأسرى وأراضي الـ 67.
وتابع أن "ما يجري داخل فتح حاليًا أن هناك سفينة تغرق بكل من عليها، فقط الذين يثورون على تحطم السفينة ويأخذون قوارب نجاة لن يغرقوا معها"، مشككًا في ذات الوقت "بإمكانية إنشاء فتح جديدة مناضلة من أجل حقوق الشعب الفلسطيني دون الخضوع لإملاءات واشنطن و(تل أبيب)".
وقال: إن "الطبول تقرع لمن هم أقرب لـ(إسرائيل) داخل فتح، فكل من اقترب من (إسرائيل) ازدادت حظوظه عند القيادة التي بدأت تضع وصيتها الأخيرة لمن سيكون بعدها في المستقبل".
ورأى أن "قيادة فتح كلها أصبحت في مرمى غضب الشعب الفلسطيني نتيجة عدم ممارستها مقاومة الاحتلال".

