قائمة الموقع

"عين سامية".. مدرسة من الصفيح تقاوم بلا سبورة ولا مقاعد

2022-02-07T08:45:00+02:00
مدرسة عين سامية شرق رام الله

لم يكد يشعر الطالب بالصف الخامس الابتدائي إبراهيم جاسر من "تجمع عين سامية البدوي" شرق رام الله بالراحة لإنشاء مدرسة ابتدائية، وأنه أخيرًا لن يُضطر إلى قطع مسافات طويلة لتلقي التعليم؛ حتى فاجأته قوات الاحتلال بشن "حرب على المدرسة في مهدها" مخطرةً بهدمها، ما خلق حالة من التحدي بين أهل التجمع والاحتلال.

كان جاسر يضطر إلى قطع مسافة طويلة بالسيارة للوصول إلى مدرسته الابتدائية في قرية "كفر مالك" المجاورة، وهذا الأمر يستغرق ساعة ونصف ذهابًا وإيابًا، بجانب ما قد يلقاه وزملاؤه الطلبة من اعتداءات المستوطنين الذين يعترضون طريقهم أحيانًا، ويلقون الحجارة تجاههم أحيانًا أخرى.

وإذ يعتزم الاحتلال هدم المدرسة ويهدد بترحيل سكان التجمع؛ يرى جاسر فيها "راحةً من بعد عناء طويل".

والمدرسة المبنية من ألواح الصفيح وتحوي خمس غرف صفية أقيمت بتبرع أوروبي، ومنع الاحتلال استكمال بنائها بزعم إقامتها في مناطق مصنفة (ج)، ما يجعل جاسر وأقرانه يدرسون في ظروف بالغة القسوة في الشتاء القارس، لكنه عليه "أهون" من قطع المسافة السابقة بين بيته ومدرسته القديمة.

التحدي قرار

أما المعلمة ميرفت حمايل التي تُدرّس هي وثلاثة من زميلاتها في مدرسة "عين سامية" فتنظر إلى مسألة الحفاظ على المدرسة كيانًا تعليميًّا حقًّا للأطفال على أنها مسألة "تحدٍّ" لها ولزميلاتها؛

فمع انعدام البيئة الصفية، وأي مقومات للدراسة؛ تصمم المدرسات والطلبة على استكمال المسيرة التعليمية، مهما كان الأمر شاقًّا، "فالمدرسة تضم طلاب وطالبات التجمع في المرحلة الابتدائية (55 طالبًا وطالبة)، تحاول المدرسات إعطاءهم بعض المعلومات التأسيسية، في انتظار الحصول على الكتب والقرطاسية التي يمنع الاحتلال حتى الآن إدخالها".

وتقطع حمايل مسافة طويلة للوصول إلى المدرسة، قادمة من مدينة نابلس باكرًا في الساعة الخامسة والنصف صباحًا، لتصل إلى التجمع رغم خطورة الأوضاع الأمنية.

وتبين أن المعلمات دبرن بعض الكتب المستعملة، ويمضين وقت الدوام المدرسي في تعليم الطلبة المهارات التي تتضمنها، قائلة: "لا يوجد لنا سوى جدران، لا سبورة ولا مقاعد، حال المدرسة أسوأ من حال المدارس في مخيمات اللجوء السوري".

حلم طال انتظاره

والحاجة لوجود مدرسة في التجمع البدوي ملحة، ففضلًا عن أن الوصول إلى المدارس في القرى المحيطة به في "كفر مالك" و"رأس التينة" تكتنفه الكثير من الصعوبات والمخاطر، لوعورة الطريق وطول المسافة وعدم توافر المواصلات أحيانًا؛ يؤكد مسؤول "تجمع عين سامية البدوي" محمد الكعابنة أن أرواح الأطفال عرضة لأذية المستوطنين الذين يتقصدون قطع الطريق عليهم.

ويخبر أنه بمجرد بناء المدرسة طوقها المستوطنون من جميع النواحي، واستجلبوا قوات الاحتلال التي أعطت إنذارًا بهدم المدرسة، وبعد محاولات قانونية أُجل الهدم بشرط عدم وضع أي حجر زيادة فيها وإلا فستُهدم مباشرة.

ولا يأمن أهالي التجمع غدر الاحتلال – كما يبين الكعابنة- إذ يخشون هدم المدرسة في أي لحظة، دون تحذير مسبق، ما سيحرم طلاب التجمع الحلم الذي انتظروه طويلًا.

ويمضي إلى القول: "إن كل إجراءات الاحتلال في المكان لها هدف واحد، هو تهجير المواطنين من أرضهم، وتركها للمستوطنين الذين شهدت أعدادهم في العامين الماضيين ارتفاعًا كبيرًا، يقيمون "البركسات" بالقرب من التجمع ويمتهنون الرعي، ويمنعون في الوقت ذاته رعاة الأغنام من التجمع من رعي أغنامهم".

ويضيف الكعابنة: "توقعنا أنْ يرفضوا وجود المدرسة، أو أي إجراء من شأنه الدفع باتجاه الاستقرار لأهالي التجمع، وإنهاء جزء من معاناتهم المتمثلة في قطع أبنائهم مسافات طويلة لطلب العلم، مع المخاطر التي يشكلها المستوطنون على الطلبة واعتداءاتهم عليهم".

ويشير إلى أن أهالي التجمع قرروا تحدي الاحتلال، والدفع باتجاه ترسيخ وجود المدرسة، وعدم السماح له بهدمها. 

ويؤكد الكعابنة أن سكان التجمع كافة عليهم أوامر هدم، وقضايا في محاكم الاحتلال، منبهًا إلى أن الاحتلال لم يعد يقدم إنذارات قبل هدم البيوت، وإنما يحضر فجأة وينفذ أوامر الهدم ويصادر الممتلكات.

خطر التهجير

يقول صاحب الأرض التي أقيمت عليها المدرسة: "إن ما دفعني لذلك أن أبناء الفلاحين والبدو يضطرون منذ سنوات طويلة إلى المشي مسافات طويلة من أجل الوصول إلى المدرسة، ومنذ ثلاث سنوات مضت يحاول الأهالي بناء المدرسة التي يترصدها الاحتلال إلى أن نجحوا ببناء غرف الصفيح للمدرسة مستغلين فترة الأمطار والليل".

ويضيف طارق عثمان من قرية كفر مالك: "في كثير من الأحيان لا يذهب الطلبة إلى المدارس في الشتاء إذ قد لا تحضر الحافلة التي تقلهم، فأقرب مدرسة إليهم في القرى المجاورة تبعد نحو 13 كيلومترًا، ولا يذهب إليها الطلبة بانتظام".

ويشدد على أن طلبة "عين سامية" يحتاجون لأكثر من المدرسة، فالزي المدرسي والأقلام والدفاتر من بين أشياء أخرى كثيرة يحتاجون لها.

ويعيش في تجمُّع عين سامية البدوي الذي أنشئ عام 1980 نحو 300 فلسطيني، غالبيتهم من عائلة الكعابنة الذين ذاقوا مرارة التهجير عام 1948، ثم الترحيل مرات عديدة، قبل أن يستقروا في المكان منذ 35 عامًا.

اخبار ذات صلة