- محسن: مساعٍ لهدم كل بنية النظام السياسي الفلسطيني
- لافي: الخروج عن الإجماع الوطني هو المشاركة في اجتماع "المركزي"
- سويرجو: المشروع القادم هو "السلام الاقتصادي" و"الإمارات الست"
بلا توافق وطني، اجتماع "مسرحي" للمجلس المركزي ينعقد في رام الله اليوم، لا يحضره سوى مهندس اتفاق أوسلو محمود عباس وبطانته، مع إقصاء معظم الفصائل بما فيها قطاعات فتحاوية واسعة، وتصفيق من جهزوا بصماتهم لتنصيب أعضاء لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير ترضى عنهم (تل أبيب) وتباركهم واشنطن، على طريق إكمال هدم بنية النظام السياسي الفلسطيني، وتأبيد الانقسام بين فريق عباس والكل الوطني.
على قدمٍ وساق يمضي الرجل الثمانيني نحو ترسيخ التعاون الأمني ومد جسور المستقبل لتلك العلاقة المحرمة وطنيا وتجهيز من يتولى المهمة حال غيابه، في تتويج للقائه مع وزير جيش الاحتلال بيني غانتس في مستوطنة قرب (تل أبيب) أخيرًا، و"الانتصارات" المزعومة لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، بادعاء "التزام" (إسرائيل) بالاتفاقيات الموقعة مع المنظمة، وهو ما كذبه رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت سريعًا، ولم يأتِ للشعب الفلسطيني إلا بمزيدٍ من الاستيطان، والحصار.
يتفق على ذلك المشاركون في ندوة سياسية نظمتها صحيفة "فلسطين"، أمس، بعنوان "المجلس المركزي.. دورة عادية أم ضربٌ للإجماع الوطني؟".
المحلل السياسي عماد محسن يؤكد أن ما يجري حالياً هو شطب المجلس الوطني لمصلحة مجلس أصغر، حيث يراد لمنظمة التحرير أن تكون "مصغرة ومطواعة"، وهو ما حدث في المؤتمر "السابع" لحركة فتح عام 2016، عندما أُحضر نصف أعضائه من "سكرتاريا ومعاوني الوزراء وأعضاء المركزية السابقين ليدلوا بأصواتهم، بنظام التبصيم لهذا الفريق دون غيره على قاعدة الطرد والإقصاء والفصل".
يرى محسن أن ما فُعل في فتح ولاحقاً في أجهزة ومؤسسات السلطة وكياناتها يراد له أن يُطبق على المنظمة، لـ"هدم كل بنية النظام السياسي الفلسطيني من خلال توليفة تصل بنا إلى لجنة تنفيذية من الواضح أن من زكاها هي (إسرائيل) ومن رعاها أمريكا".
ويضع المحلل السياسي "علامات استفهام على الأشخاص الذين طُلب منهم أن يكونوا ممثلي فتح في اللجنة التنفيذية، بدءاً من وصف رئيسه يوماً بالنبي وليس انتهاءً بمن يخرج علينا بانتصار كل شهر بعد كل لقاء مع المنسق"، وفق تعبيره.
يعتقد محسن أن عباس وفريقه "يريدون تعميق التفرد في المؤسسة الوطنية ويديرون ظهرهم لإرادة الشعب الفلسطيني، وكأنهم يضعون في أولوياتهم ما الذي تقوله (إسرائيل) وكيف تنظر أمريكا إلى المشهد، وكيف يتطلع الغرب والدول الإقليمية للأمر، ويسقطون الشعب من حساباتهم، ويتجاهلون 14 مليون فلسطيني منهم علماء في أعرف مؤسسات العالم، لا يرى فيهم عباس واحدًا يجلس معه على الطاولة".
ويظن عباس -والكلام لا يزال لمحسن- أنه في سن 87 عاماً يرى أنه الأكثر شباباً، وأنه يتمتع بالتفكير الرشيد العقلاني، وأن الشعب الفلسطيني "مراهق قاصر عاجز عن بناء كياناته وسلطاته".
ويسخر محسن من ادعاء مسؤولي السلطة بأن عباس "قال لا" للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مبيناً أن كل "لا" مزعومة تزامنت مع ضياع القدس وتغول المستوطنات وإطباق الحصار.
وبرأي المحلل السياسي، ما يجب تحقيقه هو العودة للشعب الفلسطيني القادر على اختيار من يمثله في المؤسسات الوطنية، عبر الدعوة لإجراء الانتخابات العامة من النقطة التي عطلها عباس في أبريل/نيسان 2021.
ويدحض محسن تذرع عباس بالقدس لتعطيل الانتخابات، مؤكداً أن السبب الحقيقي هو أن استطلاعات الرأي أظهرت أن فريق عباس "سيُهزم" يوم ظهور نتائج الانتخابات بنسبة تُفاجئ حتى أكثرهم تشاؤماً.
وينبه إلى وجوب انتخاب مجلس وطني فلسطيني حقيقي يمثل كل أطياف الشعب، وبعدها البدء بإعادة صياغة منظمة التحرير على ميثاق وطني وبرنامج كفاحي متفق عليه "بحد أدنى مقبول وطنياً" على كل الفصائل، والمواجهة المستمرة للاحتلال حتى تحقيق الاستقلال.
ويخلص محسن إلى أن إصلاح منظمة التحرير وتغيير الواقع القائم حالياً يتطلب "من الجميع إعادة ترتيب أولوياته وتغيير تكتيكاته"، مشدداً في الوقت نفسه على أن منظمة التحرير هي "مقدر وطني وهي ملك للشعب الفلسطيني بكل أطيافه، والسؤال هو: كيف أحافظ عليه وأستعيده من مختطفيه؟".
"نقطة خطيرة"
وبرأي المحلل السياسي حسن لافي، فإن "النقطة الخطيرة جدًا" هي: هل ما سينتج عن المجلس المركزي سيسمح لحركتي حماس والجهاد بأن يُمثلوا في المستقبل بالمنظمة؟
وينبه لافي إلى أن المجلس المركزي يعد هيئة وسطية بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير و"الوطني" الذي هو البرلمان الشعبي للمنظمة، وصاحب السيادة الحقيقية، و"المركزي" يقوم بدور "الوطني" في التنفيذ والرقابة على "تنفيذية المنظمة" في حال عدم قدرته على الاجتماع، مشيرًا إلى أن الخطورة تكمن في أن القرارات التي ستصدر عن اجتماع "المركزي" يعدها القانون الأساس للمنظمة "قانونية"، وعليه من فكر بهذا الاجتماع لم يكن غائبا عن ذهنه أن هذا المجلس لديه صلاحيات تشريع قرارات ملزمة للمنظمة.
ويذكّر لافي بالجولات الماراثونية للمصالحة الوطنية في عواصم عدة واجتماع الأمناء العامين للفصائل، وصولا إلى الاتفاق على إجراء انتخابات عامة غير متزامنة عطلها عباس "بحجة واهية" حينما تذرع بالقدس، بينما السبب "ما حدث من أزمات حقيقية لمن أرادوا أن يحتكروا القرار الفلسطيني بأشخاصهم".
ويشير إلى أن عباس تعامل مع طلب القاهرة تقديم أوراق ورؤى للمصالحة بـ"التسويف"، كما اغتالت السلطة المعارض السياسي نزار بنات، رغم أن معركة سيف القدس وحدت الشعب الفلسطيني بأطيافه كلها، وأصبحت الوحدة الوطنية لزاما في اللحظة التي اجتمعت فيها القدس والضفة والجماهير الفلسطينية في الأراضي المحتلة سنة 1948 وغزة.
وينبه إلى قلق الاحتلال من الحراك في الضفة منذ ستة أشهر على إثر الهجمة الاستيطانية وتعالي الانتقادات لسلوك السلطة في التعامل مع ملف التعاون الأمني، والفساد في منظومة الحكم بالضفة، وخروج مظاهرات في مناطق كثيرة في شمال الضفة وبالذات في الخليل.
ويعتقد لافي أن عباس كان معنيا بـ"قتل" المبادرة الجزائرية للمصالحة في مهدها، بتخفيض تمثيل الوفد للجزائر وإرسال من هم مسؤولين عن التطبيع مع المجتمع الإسرائيلي.
وأمام تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي" الذي وصف (إسرائيل) بأنها "دولة فصل عنصري" كان يفترض أن يدعى إلى حوار فلسطيني مباشر والتفاهم على ملف انتخابات المجلس الوطني وبرنامج سياسي وعودة الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، لجمع كل الأوراق الفلسطينية والذهاب إلى المعركة موحدين، لكن تفكير السلطة كان مغايرا بالدعوة إلى مجلس مركزي لتعميق الانقسام، وتأبيده، وحتى لا يأتي أي سياسي فلسطيني بعد عباس يفكر بالعودة للوحدة الوطنية، وفق لافي.
ويدحض لافي ادعاء عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد بأن اجتماع "المركزي" سيتخذ "قرارات حاسمة تجاه الاحتلال والتنسيق الأمني"، مبينا أن 90% من الموجودين في المجلس سيحضرون بتنسيق أمني مع الاحتلال.
ويسعى اجتماع المركزي -وفق لافي- إلى ملئ الشواغر ومنها مناصب ذات علاقة بمستقبل النظام السياسي الفلسطيني، منها أمين سر اللجنة التنفيذية، الذي ينوب عن رئيس اللجنة في حال غيابه، كما يقول لافي.
ويشير إلى أن من أهداف الاجتماع بقاء الفريق الذي يقتنع به عباس حاضرا بـ"الأفكار التي يحملها" حتى بعد غيابه.
كما أن تنصيب أشخاص موالين لاستمرارية التفاوض بلا جدوى في تنفيذية المنظمة ورئاسة الوطني -والكلام لا يزال للافي- هو لقطع الطريق أمام سحب الاعتراف بـ(إسرائيل)، ولضمان ألا يُتخذ أي قرار خارج ما يريده عباس.
ويؤكد لافي أن أي انتخابات لن تُجرى ما لم تضمن أن يكون المجلس الوطني ذا أغلبية لفريق عباس في حركة فتح.
ويشير إلى أن عباس يريد إجبار حماس والجهاد على الاعتراف بـ(إسرائيل)، وضرب الإجماع الوطني وإقفال فكرة الوحدة والوطنية إلى ما لا نهاية، منبها إلى أن التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي لعام 2022 تحدث عن الكيانية الفلسطينية مرة في الضفة وأخرى في غزة، وكأنه يتحدث عن كيانين مختلفين، حيث يتعاطف مع "ضعف السلطة" ويوصي بدعمها دون الوصول إلى مرحلة الدولة، ومن جهة ثانية يخاف من السلاح في غزة.
ويشدد لافي على أن الخروج عن الإجماع الوطني هو المشاركة في اجتماع المجلس المركزي، وليس عدم المشاركة فيه.
ويحذر المحلل السياسي من تداعيات وخيمة على القضية الفلسطينية بعد اجتماع المركزي، مبينا أن المطلوب من فتح وفصائل المنظمة أن يوضحوا ذلك، منبها إلى أن موقف حماس والجهاد واضح.
ويلفت إلى أن الانقسام هو بين فريق عباس والكل الوطني، إذ إن رئيس السلطة على خلاف مع مختلف الفصائل وحتى مع قطاعات واسعة وقيادات داخل فتح في مقدمتها الأسير مروان البرغوثي.
"حتى الجواسيس لن يقبلوا"
من ناحيته يقول المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو إن منظمة التحرير شُكلت بصفتها إطارا جبهويا توافقيا يجمع الكل الفلسطيني ويأخذ قراراته بالتوافق وليس الأغلبية العددية التي تسيطر عليها فتح داخل المنظمة، منبها إلى أن تركيبة "المركزي" في دورته السابقة "مطعون في شرعيتها بالأساس"، ولم تحضرها الجبهة الشعبية.
ويصف سويرجو حركة فتح التي يسيطر عليها عباس بأنها "فتح الرواتب" -وفق تعبيره- مبينا أنه لو غيّب العرب والأوروبيون الرواتب "سينحل التكتل"، مستدركا: "الشرفاء موجودون لكنهم يُقصون ويستبعدون".
ويقول: إن اغتيال المعارض السياسي بنات ليس مسألة قتل عادية، حيث يبعث برسالة مفادها "إذا كنت تعارضني وبقوة سأشطبك".
ويؤكد أن الدورة السابقة للمركزي عقدت لتمرير بعض الأهداف وإعطاء "شرعية" لعباس نتيجة الضغوط الأوروبية عليه لغياب الحالة الديمقراطية في النظام السياسي.
ويحذر المحلل السياسي، من أن الأخطر هو تركيب قيادة توائم المشروع السياسي القادم وهو أولا ما يسمى "السلام الاقتصادي"، الذي ينفي الهوية السياسية والمشروع الوطني الفلسطيني، وينظر إلى القضية الفلسطينية على أنها "مشكلة سكان"، خاصة أن (إسرائيل) تعترف بمنظمة التحرير كممثل عن الفلسطينيين وليس كهيئة لها الحق في العيش على أرض فلسطين، بينما المنظمة تعترف بـ"وجود (إسرائيل) على الأرض".
ويضيف سويرجو: ليس هناك مشروع سياسي لدى (إسرائيل) بالمعنى الحقيقي، حتى اتفاق أوسلو كان يرمي إلى عملية تفاوض لا توصل الشعب الفلسطيني لأي شيء.
وتابع بأن عباس لم يحقق سوى "صفر كبير" من خلال المفاوضات.
وثانيا، فإن المطروح هو ما يسمى "مشروع الإمارات الست" -وفق سويرجو- بمعنى أن (إسرائيل) تريد الخروج من مأزق الفصل العنصري "الأبارتهايد" دون الاعتراف بوجود دولة فلسطينية مستقلة على الأرض؛ لأنها تعدها خطرا استراتيجيا عليها.
ويوضح سويرجو أن هذا المشروع هو عبارة عن توحيد مناطق فلسطينية بـ"إمارات"، لتظهر (إسرائيل) بأنها "جارة" لها، مع بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة عليها.
ويقول المحلل السياسي: "حتى الجواسيس لن يقبلوا بهذا المشروع".
ويشير إلى أن واشنطن تتحدث عن "دولتين" دون الاعتراف بفلسطين، بينما اعترفت بالقدس المحتلة "عاصمة" مزعومة لـ(إسرائيل)، ما يثبت عدم وجود مشروع أمريكي لإقامة دولة فلسطينية على ما يعرف بحدود 1967.
وينبه سويرجو إلى أن ما يجري هو مصادرة صلاحيات المجلس الوطني وإعطائها للمركزي لتسهيل اتخاذ القرارات.
ويقول: إن الجبهة الشعبية لا تقبل بـ"حل الدولتين"، وهي مع إقامة دولة فلسطينية على "حدود 1967" دون الاعتراف بـ(إسرائيل)، مضيفا: الوثيقة السياسية لحماس أيضًا تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها هي صيغة توافقية وطنية مشتركة، دون التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، ومع رفض أي بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا من نهرها إلى بحرها.
لكنه ينبه إلى أنه طُلب من فصائل المقاومة وخاصة حماس والجهاد الاعتراف بشروط اللجنة الرباعية الدولية والاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير و(إسرائيل)، ونبذ ما يسمى "الإرهاب"، وهذه رسالة من عباس للمقاومة مفادها "لا نريدكم".
ويؤكد أن المطلوب دوليا هو ألا تكون حماس والجهاد موجودتين في منظمة التحرير، لذا المقصد الأساسي هو إقصاؤهما ومحاصرتهما.
ويوضح سويرجو أن المجلس الوطني يستثني أكثر من نصف الشعب الفلسطيني في الخارج، "وهذا يفقده شرعيته".
ويقول: الهدف من إقامة السلطة هو أن تصبح مرجعية للمنظمة، "لكن الشرعية الحقيقية هي أن المنظمة هي من تقود السلطة، بينما المطلوب الآن العكس وهو أن تصادر السلطة حق المنظمة وبهذا يتم إلغاء تمثيل الفلسطينيين في الخارج، ويكون هناك مجلس تشريعي يعبر عن الداخل فقط، واعتبار قضية اللاجئين مشكلة إنسانية تحل من خلال المبادرات العربية".
ويصف سويرجو منظمة التحرير بأنها "كيان معنوي بني بالدم ونضالات الأسرى"، مؤكدا أهمية الحفاظ على هذه الكينونة "لأنها ملك للشعب الفلسطيني بأكمله"، لكنه يشير إلى "عملية اختطاف لهذه الشرعية بمساعدة من الإقليم والمجتمع الدولي".
ويرى المحلل السياسي وجوب تشكيل "محور ديمقراطي يعترف بوحدانية تمثيل المنظمة وأنها الكيان المعنوي الذي يمثل الكل الفلسطيني ويرفض شرعية المؤتمرات (التي يعقدها عباس دون توافق وطني) وما سينتج عنها"، لمواجهة "تبعات الخطوة الخطيرة جدًا" المتمثلة باجتماع المركزي، التي تعني فصل غزة عن الضفة الغربية.
ويؤكد سويرجو أن دور الكل الوطني هو منع عملية فصل الضفة عن غزة، مبينا أن الضفة "ليست ملكا لعباس وفريقه".
ويتمم سويرجو حديثه بتأكيد ضرورة تصعيد المقاومة في الضفة، مفسرا: "في القانون الدولي المقاومة الشعبية تشمل الكلاشنكوف في مواجهة الاحتلال".