تحاول سلطات الاحتلال استعادة هيبتها التي فقدتها خلال تصدّي الأهالي لهجمتها العُنصرية ضدّ قرى وبلدات النقب في الداخل المحتل، عبرَ تعميق معاناة المواطنين وحرمانهم من مُقوّمات الحياة الكريمة الأساسية، وأبرزها الكهرباء والمياه.
وفي أعقاب "هبّة النقب" التي انطلقت شرارتها في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، دأبت سلطات الاحتلال على قطع الكهرباء والمياه في بلدات وقرى النقب، تحت ذرائع "واهية"، إذ ترافقت تلك الإجراءات مع موجة البرد القارس التي ضربت فلسطين خلال الأيام الماضية؛ الأمر الذي فاقم معاناة السكان.
وتندرج ممارسات الاحتلال ضمن "سياسة العقاب الجماعي" ضدّ سكان النقب، كردّ فعلٍ على تصدّي الأهالي لمحاولات اقتلاعهم من أرضهم، وفق ما رأى نشطاء من النقب.
عقاب جماعي
يؤكّد رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب عطية الأعسم، أنّ الاحتلال يُمارسُ سياسة "العقاب الجماعي" ضدّ سكان النقب في أعقاب تصدّيهم لممارساته العنصرية واقتلاع الأرض والتحريش.
وأوضح الأعسم خلال اتصال هاتفيّ مع صحيفة "فلسطين"، أنّ سلطات الاحتلال قطعت الكهرباء منذ أكثر من أسبوعين عقب انتهاء هبّة النقب، تحت ذرائعَ وحُججٍ واهية، الأمر الذي فاقم معاناة السكان.
وبيّن أنّ الاحتلال يتذرع بوجود أعطال في شركة الكهرباء التي تصل الخطوط بمدن وقرى النقب، وتحتاج إلى وقت طويل لصيانتها، إضافة إلى خشية الشركة على عمالها من الوصول إلى البلدات بسبب حالة الاحتقان الموجودة.
واستنكر الأعسم هذه الحجج الواهية، مُعتبراً إيّاها تندرج في سياق التحريض الأرعن، ومحاولة تشويه صورة فلسطينيّي الداخل على أنهم يحبون أعمال العنف.
ووصف الحياة بلا كهرباء وماء بـ "الصعبة جداً"، لكونها تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ عليهما، لافتاً إلى أنّ ذلك يزيد معاناة المواطنين المرضى أيضاً.
وأشار إلى بعض المؤسسات الحكومية والمدارس في النقب غير موصولة بالتيار الكهربائي، "وهذا يدلل على نية سلطات الاحتلال معاقبة الأهالي، منبهاً إلى وجود تحركات من رؤساء المجالس بشأن حل هذه الأزمة، "لكن الاحتلال لا يزال يماطل ويسوف".
ويؤيد ذلك مدير مركز الإنسان والحيز للتخطيط والتمكين المجتمعي د. عامر الهزيّل، مشيراً إلى أن أزمة الكهرباء في مدن النقب ما زالت قائمة حتى اليوم، وسط مماطلة وتسويف الاحتلال في حلها.
وبيّن الهزيل الذي يقطن في مدينة رهط شمال النقب، خلال حديثه مع "فلسطين"، أن بعض المدن يستمر فيها قطع الكهرباء على مدار أسبوع كامل، مشدداً على أن "هذه المماطلة هي سياسة موجهة من الاحتلال لسكان النقب".
وأوضح أن دولة الاحتلال تستعمل كل الأدوات والوسائل من أجل قمع سكان النقب، ضمن سياساتها العقابية على تصديهم لها خلال الهبة الأخيرة، لافتاً إلى أنها تريد إرسال رسالة مفادها "أننا نتحكم في كل شؤون حياتكم من ماء وكهرباء وغيرها".
وقال: "لم تتوقف سياسة الاحتلال العنصرية ضد سكان النقب عقب الهبة الأخيرة، إذ استمر بقطع الكهرباء حتى في ظل موجة البرد القارس التي عصفت بالأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة".
وأضاف أن "الاحتلال يسعى إلى تخويف السكان من أجل عدم التصدي لممارساته او العودة للاحتجاجات كما جرى في الأيام السابقة"، مؤكداً أنه "آن الأوان لإيجاد وسائل بديلة تُغني السكان عن خدمات الاحتلال".
واقترح إمكانية اعتماد سكان النقب على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، منبّهاً إلى أن الاحتلال يسعى لإحكام قبضته ضد القرى الفلسطينية في الداخل من خلال إقامة المستوطنات على ظهور الجبال وقطع الكهرباء والمياه، وشبكة الاتصالات لمنع التواصل مع العالم الخارجي.
وتشكل المنطقة الصحراوية قرابة 40% من جغرافيا فلسطين التاريخية، وهي تمتد من عسقلان على الساحل الغربي لوسط فلسطين حتى رفح، على امتداد حدود سيناء.
وأجبر الاحتلال إبان النكبة، قرابة 100 ألف فلسطيني على الرحيل من النقب، وتحوّل أغلبهم إلى لاجئين في الأردن وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية، وخصوصا مناطق الجليل والأغوار والقدس.