يجذب رصيف ميناء غزة البحري سنويًا هواة التصوير، مستغلين امتداده في عرض البحر وموقعه الذي يتيح لهم التقاط صور مختلفة تُظهر جماله في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في مثل هذه الأوقات من كل عام يتحول الميناء إلى قبلة المصورين والصحفيين والنشطاء، لالتقاط صور قوارب الصيادين وهي تبحر محاولة تجاوز الأمواج العاتية بحثًا عن لقمة العيش.
لقد أصبح انقلاب القوارب من أكثر المشاهد الملتقطة بعدسات المصورين في أوقات المنخفضات الجوية وما يرافقها من رياح شديدة تجعل ارتفاعات الموج تعلو إلى حد لا تقدر بعض قوارب الصيادين على تجاوزها، فتقلب القوارب ومن عليها وتسحبهم إلى القاع.
وأحد هذه القوارب للصياد مفلح أبو ريالة (44 عامًا).
لا يخشى أبو ريالة الأجواء الباردة والرياح الشديدة المرافقة للمنخفض الذي تأثر به قطاع غزة الأسبوع الماضي وامتد حتى يوم أمس، وهو يتمتع بجرأة عالية على ركوب هذه الأمواج لصيد الأسماك.
لكن أكثر ما يضره كما يقول لـ "فلسطين"، أن القارب الذي يملكه ويصطاد به منذ سنوات طويلة، يبحر بواسطة محرك قديم جدًا متهالك، تمت صيانته العديد من المرات.
يضيف الصياد حول حادثة انقلاب قاربه عند مدخل ميناء غزة البحري، مساء الجمعة الماضية، أنه عند محاولته الخروج من الميناء اصطدم قاربه بالأمواج العالية، فغطته كاملاً مع المحرك، وتوقف الأخير عن العمل، ما أدى إلى انقلاب القارب ومن عليه.
وكاد أبو ريالة، من سكان مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، أن يفقد حياته لولا تدخل أحد أقاربه كان يبحر بجواره بقاربه فأسرع به والتقطه من المياه قبل أن تجرفه الأمواج مع القارب المقلوب، خشية من أن يعلق بالشباك التي سقطت تحت الأمواج وجرفتها معها.
ويقول: إنه مضطر للإبحار حتى لو كلفه الأمر حياته، لتوفير قوت عائلته، وليس لنا مصدر رزق آخر سوى صيد الأسماك.
وفي مشهدٍ آخر، قلبت الأمواج واحدا من قوارب الصيد قبالة شواطئ شمال القطاع، فلجأ الصياد فريد كريم، إلى خلع ملابسة والنزول مباشرة لانتشال الصياد الذي كاد أن يغرق بعدما سقط تحت القارب وعلق بالشباك.
وبالفعل استطاع انتشال الصياد قبل غرقه، لكنه فقد شباكه.
وفي مثل هذه الحالات، تبقى الشباك على الأرض إلى حين هدوء البحر، وعندها يتمكن الصياد من انتشالها واستعادتها.
وكانت الشرطة البحرية قررت فتح البحر أمام الصيادين، مساء الجمعة الماضية، وعلى أثر ذلك خرجت قوارب الصيد للبحث عن الأسماك، لكن بعضها تعرض للانقلاب بفعل علو الأمواج.
وكان الصياد جميل حسنين، في الأربعينيات من عمره، من ضحايا المنخفض الأخير، بعد سقوطه عن القارب الذي كان يبحر بواسطته محاولاً تجاوز الأمواج العالية، قرب شاطئ مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، وقد فشل القارب في تجاوزها، ولم يتمكن زميله المرافق من انتشاله، الجمعة الماضية، حسب ما أفاد مدير دائرة الشرطة البحرية بغزة العقيد أحمد نوفل.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قصيرا حين جرفت الأمواج قارب حسنين والشباك التي عليه.
وقبله بأيام وتحديدًا الثلاثاء الماضي، لقي الصياد يحيى شبير (24 عامًا) حتفه خلال ممارسة الصيد في منطقة الواحة، شمالي القطاع، وذلك بعد انقلاب القارب الذي كان على متنه وسقوط الشباك فوقه، وقد قيدت حركته ومنعته من السباحة.
وأكد نوفل أن إجراءات إغلاق البحر أوقات المنخفضات لم يكن معمولا بها في سنوات سابقة، ولجأت إليها الشرطة البحرية حفاظًا على سلامة الصيادين، وذلك في إطار قرارات تصدر عن لجنة تضم الشرطة البحرية ونقابة الصيادين، وجمعية الصيادين أيضًا.
وبين أن الآلية المتبعة تعتمد على فتح البحر أمام الصيادين في الأوقات التي يكون بإمكان البحرية تنفيذ عمليات إنقاذ للذين يتعرضون لحوادث.
وبين أنه في حال قررت اللجنة فتح البحر فإن ذلك يكون خلال النهار فقط، حتى لو تعرض صيادون لحوادث انقلاب أو غرق يكون بإمكان الشرطة البحرية إنقاذهم.
وأضاف أن "الشرطة البحرية تدرك أوضاع الصيادين وتعلم بأحوال قواربهم ومحركاتها وقدراتها الضعيفة بسبب قدمها، ونتخذ قراراتنا حفاظا على سلامتهم رغم الضغوط التي نتعرض لها منهم".
وأكد نوفل أن الإبحار في هكذا أجواء يتطلب حرص الصيادين على اتباع إجراءات السلامة لتفادي حوادث الانقلاب والتفاف الشباك حولهم.
وقال مسؤول لجان الصيادين زكريا بكر، إن الصيادين بغزة ارتبطت حياتهم بالبحر رغم المخاطر التي يخفيها لهم، وهم ينتظرون المنخفضات الجوية التي ترافق أربعينية الشتاء، بسبب قلة الأسماك خلال هذه الفترة، بينما تجلب لهم المنخفضات أنواعًا مختلفة؛ منها: السردين، والغزلان و"الكنعن"، والطرخون، وغيرها من الأسماك.
وأكد بكر لصحيفة "فلسطين"، أن المشكلة الرئيسة لدى الصيادين، تتمثل بخلل وأعطال متكررة في محركات القوارب الصغيرة والكبيرة، وعدم قدرتها على مواجهة الأمواج القوية ودفع القوارب عبرها.
وبين أن سلطات الاحتلال تمنع إدخال جميع معدات صيد الأسماك إلى غزة عبر المعابر التي تتحكم بها، وخاصة محركات القوارب وقطع الغيار الخاصة بها، وتتيح فقط استيراد شباك الصيد، وذلك في إطار حصارها الممتد على القطاع الساحلي منذ 2006.