استيقظ إبراهيم سالم الساعة السابعة والنصف صباحا الجمعة قبل الماضية على صوت دق حديد خارج بيته في حي الشيخ جراح المهدد بالإخلاء في القدس المحتلة. خرج ليستطلع الأمر، وإذ بـ25 مستوطنا يطوقون أرضه بسياج برفقة نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس أرييه كينج، الجمعة، تحميهم شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
اشتبك إبراهيم مع المستوطنين الذين أخذوا يصرخون: "هذه الأرض لنا، ومعنا أمر من المحكمة". طلب منهم إبراهيم إثباتا"، رد أحد أفراد شرطة الاحتلال "يكفي أننا رأينا أمر المحكمة، ولا يفترض أن تراه أنت".
عراب المستوطنين كينج يهدد عائلة سالم: "سنأخذ منكم الأرض بالقوة، ومن ثم سنستولي على البيت بعدها"، ليرد إبراهيم "احلم".
كانت فاطمة (6 أعوام) تقف على مقربة من أبيها، حينما هم أحد الجنود بضرب والدها فدفعته بيدها الصغيرة صارخة: "انصرفوا ما في الكم بيوت وأراضي، هاي أرضنا، والشيخ جراح النا"، صرخ الشرطي على فاطمة "اسكت اسكت".
تمادى المستوطنون في اعتدائهم، ركض أحدهم وسحب الكرسي الذي تجلس عليه جدتها التي تحمل هي اسمها، فهرعت فاطمة لتحمي جدتها من الارتطام بالأرض، وتناولت حجرا من الأرض وأصابت المستوطن في بطنه.
لا يسترد إلا بالقوة
تقول فاطمة لـ"فلسطين": "لا أخشى اليهود ولا أخافهم، فهم جبناء يريدون أخذ بيتنا وهدمه، جدتي وأعمامي وعماتي وأنا ولدنا في هذا البيت، وهم يريدون السيطرة عليه لنبقى بلا بيت".
وتردف: "يحاولون دائما إخافتنا، في إحدى المرات ألقوا علينا قنبلة صوت، لكي نهرب ونخاف، ورغم ذلك سنواصل مقاومتهم حتى نبقى في بيتنا، القدس لنا، وليست لليهود".
استمر اشتباك إبراهيم مع المستوطنين والشرطة، ويصدهم بصدره العاري عن أرضه، حتى الساعة الرابعة مساء، انفضوا وعادوا أدراجهم خائبين يهددونه "إذا هديت السياج سنرفع عليكم قضية في المحكمة"، ما إن أداروا ظهورهم حتى خلع إبراهيم السياج مرددا "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
الأرض التي يحاول المستوطنون السيطرة عليها تقع بجوار منزل إبراهيم ومساحتها 150 مترًا، ومنذ عام 1948 عاش جده لأمه في البيت الذي استأجره من الحكومة الأردنية آنذاك، قادما من قرية ترمسعيا وهي إحدى قرى محافظة رام الله وسط الضفة الغربية، وقد ورثته والدتهم عن أبيها وتعيش برفقة أبنائها الثلاثة وعائلاتهم البالغ عددهم 15 فردًا.
وقد التزمت العائلة دفع الإيجار سنويا حتى وقوع شرقي القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، حيث بدأت "دائرة أملاك الغائبين" الإسرائيلية بجباية الإيجار من العائلة.
بيت إبراهيم واحد من 45 بيتًا مهددًا بالإخلاء في حي الشيخ جراح، ويقع على بعد 200 متر من بيت محمود صالحية الذي هدمت سلطات الاحتلال في 19 يناير/ كانون الثاني.
تجيير للقانون
وفي عام 1987 صدر قرار عمّا يسمى بـ"محكمة الصلح" الإسرائيلية يقضي بإخلاء الحاجة فاطمة سالم بادعاء إخفاقها في إثبات أنها كانت تعيش مع والديها في هذا البيت قبل موتهما، وفي ظل عدم تقدم عائلة سالم باستئناف ضد هذا القرار أصبح الحكم قطعيا وغير قابل للإبطال.
وبعد سنوات من موت الإسرائيليين الذين يدّعون ملكيتهم للعقار قبل عام 1948، باع ورثتهم المنزل لآخرين وتوالت عمليات البيع حتى انتقلت ملكية المنزل لعدة أشخاص، وخلال انتقال الملكية تم تجيير حقوق الإخلاء لصالح المستوطنين بموجب قرار الحكم الصادر عام 1987.
وفي عام 2012، فتح المستوطنون الملف مرة أخرى بهدف تنفيذ قرار المحكمة الصادر عام 1987 بموجب قانون "التقادم على حكم مدني"، والذي يتيح إمكانية تنفيذ الحكم حتى 25 عاما من تاريخ صدوره.
يقول إبراهيم لـ"فلسطين": "نعيش في ترقب، سيباغتنا المستوطنون في أي وقت، فلا يؤمن لهم جانب، شرطة الاحتلال تحميهم، ويقمعوننا نحن أصحاب الأرض، فهم يجيرون القوانين لصالحهم لكي يضعوا مسوغا قانونيا لتهجيرنا من أراضينا".
ويضيف: "يدعون أن الأرض ملكهم، كيف ذلك ونحن فيها قبل مجيئهم؟ فجدي استأجرها من الحكومة الأردنية ولم تكن القدس محتلة آنذاك، ولدينا أوراق تثبت هذا الأمر".
ويبين إبراهيم أن قرار الإخلاء الأخير قلب حياتهم رأسا على عقب، لكن أكثر ما يزعجه أن نائب رئيس بلدية الاحتلال "كينج"، وعضو المجلس البلدي المتطرف يونتان يوسف (حفيد الحاخام عوفاديا يوسف)، هما من طرقا الباب وسلّما والدته قرار الإخلاء.
ويشدد على أنه رغم معاناة كل سكان الحي من الانتهاكات اليومية على يد المستوطنين، ومن التنكيل على يد شرطة الاحتلال التي تقيّد حركتهم في كثير من الأحيان لتسهيل مرور المستوطنين من وإلى الشيخ جراح، فإنه يرفض فكرة العيش في مكان آخر بعيدا عن منزله.
ويطلق إبراهيم صرخة استغاثة من كل العالم من أجل مؤازرة أهالي الشيخ جراح، ليكبحوا جماح الاحتلال، والمستوطنين، ومنعهم من مصادرة واحتلال بيوتهم.
وتسلّمت عائلة سالم قرار الإخلاء بعد أسابيع من إخطار سكان بناية مكونة من 3 طوابق يعيش فيها 50 مقدسيا من عائلات (البشيتي والغزاوي والخطيب وشريتح وأبو دولة وحبّابي) بإخلاء بنايتهم في الشق الغربي للحي أيضا، رغم أن هذه العائلات تعيش في المكان منذ عام 1952.