فلسطين أون لاين

بعد 19 عامًا في سجون الاحتلال

تقرير "سامر" عاد ليطفئ شوقه لأمه.. فأحرق أمن السلطة قلبها!

...
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

 

أيادٍ ثقيلة ألقت بِغِلها على باب منزل المحرر سامر درويش منتصف يناير، استيقظ وزوجته مفزوعين من شدة الطرق، وبمجرد أن أطل ليستطلع الأمر، وإذ بشخص من جهاز الأمن الوقائي للسلطة يطلب منه: "البس أواعيك وهات جوالاتك".

خشي سامر على زوجته التي كانت في حالة انهيار تام، استغل الفرصة وهاتف شقيقيه ليستنجد بهما، وما إن وصل شقيقه الأصغر حتى سأل أفراد وقائي السلطة: "ليش معتقلينه؟ إله 19 سنة عند اليهود، والناس لسه بتهنيه بالسلامة"، وإذ بالعناصر يوجهون بنادقهم نحوه مهددين: "إذا بتزيد بنعتقلك إنت التاني". 

أوصل شقيق الأسير سمير زوجة أخيه إلى بيت أهلها، وعاد هو إلى بيته دون أن يبلغ والدته المريضة عما حدث مع فلذة كبدها، خوفًا على حياتها إذ تمر بأوضاع صحية صعبة للغاية.

حاولت "فلسطين" محاورة الزوجة، ولكنها رفضت الحديث بسبب مرورها بأزمة نفسية في إثر مشهد الاقتحام الذي عاشته.

واعتقل الاحتلال الإسرائيلي سامر درويش من قرية سبسطية شمال غرب مدينة نابلس في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، وتعرض لتعذيبٍ شديد خلال فترة التحقيق التي استمرت شهرين، ووجهت له محاكم الاحتلال العسكرية تهمة المشاركة في تنفيذ عمليات ضد الاحتلال، وأصدرت بحقه حكماً يقضي بالسجن مدة 19 عامًا.

لم يدُم إخفاء خبر اعتقال سامر عن والدته طويلًا بعد أن افتقدت زيارته صباح الجمعة إذ اعتاد المرور بها قبل الذهاب إلى الصلاة.

بصعوبة كبيرة أخذت الحاجة "أم سامر" تلتقط أنفاسها لتروي ما حدث مع ابنها: "استيقظت يوم الجمعة باكرًا، وقلبي يحدثني بأن مكروهًا أصاب سامر، سألت سمير عن سبب عدم مجيء شقيقه حتى الآن كما تعودته منذ خروجه من السجن، إذ يصلي الجمعة في القرية ويتناول طعام الغداء معي".

تتابع أم سامر: "تلعثم سمير وأخبرني بأنه قد تعارك مع أصدقائه في نابلس وسيقضي ليلة في السجن وسيخرج، لم أقتنع بالأمر ولا سيما أن سامر رجل هادئ وخلوق لا يحب الدخول في أي عراك".

انهالت الاتصالات على هاتف الأم السبعينية تواسيها باعتقال ابنها، حينها اضطر سمير لإخبارها بما حدث، شعرت بضيق تنفس حزنا لما جرى مع "سامر" الذي لم ينقضِ على زواجه سوى خمسة أشهر.

تعاني "أم سامر" أليافًا في رئتيها، لذا تحتاج إلى جهاز تنفس صناعي دائم، فأي جهد تبذله يصيبها بنقص أكسجين، وتخشى أن تحرمها السلطة منه، كما حرمه الاحتلال من والده.

في يوليو/ تموز 2021 زف سامر إلى عروسه في البيت الذي بنته له والدته حجر على حجر، ليكون له مستقرًّا بعد انقضاء السنوات 19 في ظلمة سجون الاحتلال، أدخل بعض التعديلات التي أرادها في بيته كما كان يحلم داخل السجن.

يعمل سامر في منجرة صديق له، ويقضي جل وقته في العمل، ويشهد له أهل نابلس بحسن سيرته ويبادلونه المحبة، وفق أم سامر.

صمت هاتف "أم سامر" عن مكالمات سامر، إذ لا يفارقها صوته، يهاتفها يوميًّا ليطمئن على صحتها، ويسمع هو منها كلمات الرضا: "الله يرضى عليك يما"، فبها يكبر قلبه الذي انكوى على فراق والده قبل عام من الإفراج عنه.

رهاب الفقد

كان سامر ينتظر أن تستقر حالة والدته الصحية، لينقلها للعيش معه في بيته ليقضي أطول وقت ممكنا معها، إذ يخشى أن يفقدها وهو بعيد عنها، ويريد تعويض سنوات الحرمان بالقرب منها، يقول شقيقه سمير.

ويروي عن علاقة سامر بوالدته: "قبل أسبوع ساءت حالة والدتي الصحية ودخلت المستشفى، ألح سامر عليَّ بنقلها إلى بيته، ولكني أجلت الأمر حتى تستقر حالتها، وكان من المفترض أن تكون في بيته في هذه الأيام، ولكن كان اعتقال السلطة له أسرع".

يتابع سمير: "سامر لا يريد مفارقة أمي، فهو شديد التعلق بها لديه رهبة كبيرة من فقدانها، فالاحتلال حرمه منها 19 عاما، ونخشى أن تحرمه السلطة منها، فهي لا تنفك عن السؤال عنه وعن أحواله، ولكن ليس لدينا جواب شافي، فنحن لا نعرف أي معلومة منه".

ويشير إلى أن السلطة تعمدت اعتقال سامر في يوم العطلة، حتى يخضعوه لتحقيق دون إمكانية الوصول إلى أي معلومة عن مصيره، فالمؤسسات الحكومية كلها مجازة، ولن يتمكن المحامون أيضًا من الوصول إليه.

ويذكر سمير أن سامر يحلم ببناء عائلة، وأن يمن الله عليه بالبنين والبنات، وينشد الاستقرار الأسري مع زوجته.

ويشدد على أن الاعتقالات السياسية التي يمارسها الاحتلال بحق أبناء الضفة الغربية، تدمر النسيج الاجتماعي "يكفينا مر الاحتلال ومستوطنيه".

ويختم حديثه آسفًا للحالة التي وصل إليها سلوك أجهزة أمن السلطة التي يفترض بها أن تشكل درعًا حاميًا للمواطنين من اعتداءات المستوطنين، ليس على قرية سبسطية فحسب وإنما في كل قرى نابلس برقة، وبزاريا، وبيتا، وعصيرة الشمالية، وغيرها، والتي تشهد هجومات شرسة من المستوطنين، يقاوم أهالي القرى بصدورهم العارية، دون أي تدخل من السلطة التي تفرض سطوتها الأمنية فقط على الفلسطيني المعارض لسياستها.