فلسطين أون لاين

تقرير الصحفي الظاهر.. وثق بعدالة القضاء فانقلب عليه

...
نابلس- غزة/ هدى الدلو:

"ليس لديه نزعة حزبية، وطنيته هي التي تتحكم به وتقوده للجهر بالحق ومناصرة القضايا العادلة، بغض النظر عن الضغوطات التي تُمارسُ عليه" تقول الصحفية مجدولين حسونة في وصف شخصية الصحفي عبد الرحمن الظاهر، الذي أصدرت محكمة السلطة قرارًا نافذًا بحبسه ثلاثة أشهر في حال رُفض استئناف تقدم به محاميه.

وإذ تزيد التهمة قناعة الظاهر بأنّ "إدانة المحكمة" ترمي إلى الإمعان في التضييق على الحريات الصحفية والعمل الإعلامي، وحرية الرأي والتعبير المكفولة بالقانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات الدولية التي وقّعتها السلطة؛ يؤكد أنها أيضًا تدفعه بقوة لمواصلة النقد بالوسائل المتاحة عرفًا وقانونًا لكل سلوك وسياسة يرصد خطأ فيهما.

يقول الظاهر: "كان لديّ ثقة باستقلالية القضاء، ولكن بعد قرار المحكمة الصادم بسجني ثلاثة أشهر تزعزعت ثقتي باستقلالية المنظومة القضائية، وأصبحت متيقنًا أنّ طرفًا واحدًا في الوطن هو من يتحكم بتلك الإجراءات ويُملي إرادته على القضاء وعلى كل المنظومة، هذا محزن جدًّا".

والظاهر مهندس معماري ومخرج وصحفي، من مدينة نابلس، عمل مع أكثر من فضائية تلفزيونية منتجًا منفذًا لبعض المسلسلات الدرامية والساخرة، وبعض البرامج التلفزيونية، والتحقيقات الصحفية في داخل فلسطين وخارجها.

يقول بعد صدور الحكم الجائر الذي أصدرته محكمة الصلح بمدينة نابلس في 20 يناير الجاري: "كنت آمل أن أجد قضاءً عادلًا نزيهًا مستقلًّا، ينصفني من جريمة القمع والإسكات لأصواتنا التي تُمارسُ بحقنا كل يوم، لكن يا للأسف لم أجده".

يُبيّن الظاهر لصحيفة "فلسطين" أنه حين "اختُطف" في آب (أغسطس) 2020 كان الأمر مفاجئًا في أثناء خروجه ليلًا من عمله في الجامعة، "وطيلة مدة اعتقالي لم أعلم ما التُّهم الموجهة لي، ولكنّ التحقيق معي كان في أمور تتعلق بعملي في الخارج، وطبيعة توجهات الفضائيات والشركات الخارجية التي أُنتج لها أعمالًا درامية والبرامج المختلفة، وأمور تتعلق بمصادر دخلي وعلاقاتي بالوسط الإعلامي".

لكنه تفاجأ حين مثُل أمام المحكمة بأنّ القضية التي يُحاكم فيها تتكون من ثلاث تهم تمس بجوهر عمله الصحفي المهني، ويضيّق فيها على حرية الرأي والتعبير.

والتُّهم التي يُحاكم عليها الظاهر هي: نشر معلومات تثير النعرات العنصرية عبر الشبكة الإلكترونية، ونقل أخبار مختلفة بأيّ وسيلة من وسائل الاتصال المختلفة بقصد إثارة الفزع، والذم الواقع على السلطة.

وإذ بُرّئ الظاهر من الأولى والثانية يشدد على أنّ التحقيق معه لم يأتِ على أيّ أمر له علاقة بالذم الواقع على السلطة، وأنه أوعز إلى فريق الدفاع باستئناف القرار خلال أسبوع، وينتظر نتيجة الاستئناف علها تُنصفه.

ويُضيف: "استمرت محاكمتي سنة ونصف سنة على عشر جلسات حضرتها جميعها، ولم يسألني خلالها أيّ شخص سؤالًا واحدًا، كنت أحضر مستمعًا فقط".

ويؤكد أنّ قرار إدانته لن يؤثر في نهجه في تناول القضايا الإعلامية، قائلًا: "كما كنت قبل اعتقالي سأبقى بعد صدور القرار ولن يتغير شيء، سأستمر في عملي بانتقاد كلّ خطأ نرصده بكل الوسائل المتاحة عُرفًا وقانونًا، ولن يُثنينا أيّ انتهاك أو قرار عن عملنا".

ويتابع الظاهر: "لا أخفي أن هناك هجمة ممنهجة على الصحفيين للتضييق على عملنا الإعلامي والتلفزيوني في الوطن، وهناك أساليب ملتفة تستخدمها بعض الأطراف لمحاصرة عملنا وتشتيته، لكننا مستمرون رغم تلك المطبّات، وإلى جانبنا يقف العديد من النشطاء والحقوقيين والمنظمات الحقوقية الدولية التي تتواصل معي يوميًّا، وتتابع هذه القضية حثيثًا".

هذا هو الصحفي الظاهر

وعودةً إلى الصحفية حسونة التي عانت سنوات استدعاءات ومحاولات للاعتقال من أجهزة أمن السلطة، واتُّهمت بـ"إطالة اللسان وقدح مقامات عليا وإثارة النعرات"، تُضيف: "عبد الرحمن ناجح جدًّا في عمله، ولكنّ التضييق الذي يُمارس عليه منعه من الحصول على فرصة تليق به ليكون في المكان الصحيح، فالوضع الأمني يُضيّقُ الخناق عليه في العمل، وهو أيضًا ممنوع من السفر مع أنه حامل لجواز سفرٍ أردنيٍّ".

وحسونة زميلة مقربة من الصحفي الظاهر إذ عرفته إنسانًا اجتماعيًّا، "ليس لديه نزعة حزبية، وطنيته هي التي تتحكم به، ولديه كاريزما تتميز بخفة الدم بحكم عمله في التمثيل والكوميديا".

وتُبيّن أنّ الظاهر معروف بصوته الجهوري بالحق بغض النظر عن الضغوطات التي تُمارس عليه، ومناصرته للقضايا العادلة.

وتشير إلى أنّ لدى الظاهر هواية المسرح منذ أيام الدراسة في المدرسة والجامعة، إذ كان يشارك فيها في الفعاليات المختلفة، وقد طوّر ذاته في الجانب الفنّي والتمثيل، كما أنه أبدع في المجال الهندسي، وقد لجأ إلى الصحافة في بداية طريقه هواية، ثمّ حصل على شهادة أكاديمية فيها.

وقررت محكمة الصلح في نابلس الإفراج عن الظاهر في 21 أيلول (سبتمبر) 2020، بكفالة مالية قدرها 5 آلاف دينارٍ أردنيٍّ، بعد اعتقال في سجون "وقائي السلطة" أكثر من شهر، بتهمة "ذم السلطة".

ويعمل الظاهر حاليًّا في مركز الإعلام التابع لـ"جامعة النجاح" بنابلس، مُعدًّا ومُقدّمًا لبرامج منوعة، وشغل سابقًا مناصب عدة، من أهمها مدير "دائرة الإنتاج الفني والإعلامي" في "مؤسسة وطن الإعلامية" بمدينة رام الله، ومنتج منفذ لبرامج تلفزيونية عدة في فضائية "رؤيا" الأردنية، ونفّذ أعمالًا درامية ومسرحية وأفلامًا وثائقية وتحقيقات صحفية.