على وقع الأهزوجة "يا يبناويات يا إمات المناديل يلي الشباب عنكم زي القناديل" بدأت حنة والدة العريس، وعلى أكتافهن حملت عماته المرتديات أثوابًا تراثية جرار الفخار عليها غطاء مطرز بالنقش الفلاحي، وقدمت أطفالهن العصائر بصواني مزينة بالتطريز الفلاحي.
وتعالت مهاهاة المسنات، ومن خلفهن تردد الصبايا، وعلى وقع الطبلة المغطاة بالتطريز أيضًا والأهازيج اليبناوية تراقصت النسوة، فكان عرسًا تراثيًّا بامتياز.
عطاف جراد عمة العريس وصاحبة فكرة العرس التراثي تقطن في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ويعود أصولها إلى بلدة يبنا المهجرة، تقول: "بينما أقلب بين صفحات (فيس بوك) جذبتني أعمال تمام جمعة التي تضفي اللمسة التراثية على الأدوات التي تستخدمها العروس في فرحها، من حيث الجرة المغطاة بالتطريز الفلاحي، والسلال التي تقدم بها العروس التوزيعات، والصواني النحاسية المطرزة وتُحمل عليها حناء العروس قبل يوم الزفاف".
حفظ من النسيان
تضيف جراد (48 عامًا): "في فرح ابن أخي عرضت فكرة استئجار تلك الأدوات، ولاقت استحسان الجميع، لأننا متعطشون جدًّا لإحياء التراث في أفراحنا، ومحاكاة الأعراس الفلسطينية التي كانت تقام قديمًا، واخترنا أغاني تراثية إضافة إلى الأهازيج والمهاهاة، لتتناسق مع الأدوات والفقرات التراثية التي سنقيمها".
في يوم الزفاف دخلت عمات العريس قاعة الفرح على وقع أهازيج عجائز يبنا اللاتي يحفظن تراث بلدتهن، ينثرن الورد والريحان على الحاضرات، وقد تخلل الفرح فقرات تراثية أخرى أيضًا.
تبين جراد أن تلك الأدوات استخدمتها العائلة في حنة أم العريس، وحنة العروس، وليالي والدة العريس أيضًا، مؤكدة أن الفقرات التراثية من أغانٍ وأهازيج لا يمل منها.
وتلفت النظر إلى أن إعادة إحياء التراث في الأعراس تجعل الجيل الجديد يدرك القيمة، التي فقدها أجدادهم يوم هُجروا من فلسطين التاريخية عنوة.
أما المغتربة لانا شاهين ففور عودتها إلى قطاع غزة أحبت أن تحيي فرحها بالكامل بالثوب الفلاحي والأدوات التراثية القديمة، حتى زوجها ارتدى العباءة، والحطة البيضاء، والعقال.
حنين شاهين إلى فلسطين جعلها تتواصل مع إحدى الفتيات لتستأجر الأدوات التي كانت تستخدم في الأعراس قديمًا، وتزينها بأغطية مطرزة بالنقش الفلاحي، لتسافر عبر الزمن حيث عرس جدتها قبل 70 عامًا.
الفتيات الأكثر إقبالًا
من جهتها تقول صاحبة متجر "مشغولات الأعراس التراثية" تمام جمعة: "الفكرة تراودني منذ زمن، ولكن لم يكن لدي الوقت الكافي لتنفيذها بسبب الدراسة، ولكن بعد التخرج نفذت المشروع لأحقق دخلًا".
وتتابع جمعة (24 عامًا) لـ"فلسطين": "قبل مدة أقيم فرح لأحد أقربائي وأحببت إدخال جو تراثي ومختلف ومغاير عن العادات المعمولة في الأفراح، فجهزت بعض مستلزمات الحناء التراثية، والطبلة، والصواني والأباريق وكسوتها بالأقمشة التراثية، والزينة، فنال ذلك إعجاب الحضور، ما حفزني وشجعني على البدء في المشروع".
وتزين الفناجين الفخارية، والكؤوس الفخارية، وسلال القش، والصواني، والطبلات، والعصي، وصناديق الحناء بالأقمشة التراثية والتطريز الفلاحي.
وتستاء جمعة من مساعي الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية، "والأنكى من ذلك أسرلتها بنسبها إليه، وهذا سبب أساسي يشجعني على مواصلة فكرة المشروع" تضيف، مشيرة إلى أنها تؤجر تلك الأدوات مقابل سعر رمزي، وفي أحيان أخرى تجهز مجموعة وفقًا لرغبة الزبون في حال طلب اشتراءها.
ولاحظت إقبالًا لافتًا من الفتيات على طلب تلك التراثيات، وتعزوه إلى محاولات الاحتلال الإسرائيلي لفصل غزة عن جغرافيتها الفلسطينية، تقول: "إضفاء التراث على الأعراس يقربنا من أهالينا في الضفة والقدس الذين يحافظون على هذه الثقافة حتى اليوم".
وتطمح جمعة إلى توسعة مجال عملها ليشمل الأثواب والمشغولات اليدوية المطرزة، ولكن قلة الإمكانات تؤجل هذا الأمر.