تميز المطبخ الفلسطيني المتقارب في أغلب أطباقه الرئيسة مع جواره من بلاد الشام بسمات خاصة، فلمسة الأرض الفلسطينية وما تنتجه من محاصيل تختلف من منطقة إلى أخرى تُضفي تفردًا على الأطعمة التراثية الفلسطينية، بجانب كون أغلب الأكلات الفلسطينية غير مكلفة ومرتبطة بموسم الحصاد السنوي لبعض الخضراوات.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948م شهدت أغلب الأطباق التراثية الفلسطينية "سطوًا إسرائيليًّا"، وترويجها عالميًّا على أنها "إسرائيلية".
خشية الاندثار
إزاء ذلك برزت بعض الجهود الفلسطينية الفردية لتوثيق الأطباق التراثية للحفاظ عليها ونقلها للعالم والأجيال القادمة، خشية اندثارها بوفاة كبار السن، مع سطوة "الطبخ الحديث" على الأجيال الجديدة.
من تلك المبادرات كتاب "المطبخ الفلسطيني" لمؤلفته الطاهية الفلسطينية من مدينة الخليل فداء أبو حمدية، التي ترى أنّ الأكل الشعبيّ الفلسطينيّ جزء من هويتنا وإثبات وجودنا على الأرض.
وإذ تبين أبو حمدية لـ"فلسطين" أنّ الاحتلال سرق أغلب الأطباق التراثية الفلسطينية ونسبها لنفسه؛ تشير إلى أنّ توثيق الأكلات الفلسطينية اعتمد على مراجع عامة للتراث الفلسطيني، مستدركة: "لكن بالأساس اعتمدتُ على الرواية الشفوية للناس الذين عايشوا تلك المراحل التاريخية، بدأتُ بأمي وقريباتي، ثم وسّعتُ النطاق للبحث عن مصادر شفوية أخرى".
ونتيجة الأوضاع الراهنة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وصعوبة الوصول لكل المناطق في فلسطين انصبّ تركيزها على التوثيق في المناطق التي استطاعت الوصول لها بالضفة، ولم يخلُ الأمر من بعض التوثيق للأكلات في غزة.
وتجعل أبو حمدية البحث العلمي عن الأكلات التراثية "مهمة دائمة" لطلابها، الذين تدرسهم تاريخ المطبخ في "الكلية الذكية للتعليم الحديث"، تقول: "أكلفهم بأبحاث عن الأكلات الفلسطينية، بهدف ترويجها ثقافيًّا، وتعريفها للناس المحيطين بهم للحفاظ عليها من الاندثار".
وتبين أنّ الأكلات الفلسطينية مميزة بأنها متجذّرة ومرتبطة بنتاج الأرض، "فالفلسطينيون في كل موسم يطهون ما تنتجه الأرض من محاصيل طازجة في المناطق الفلسطينية المختلفة، ما يجعل أطباقهم غير مكلفة، تعكس احترامًا للمواسم الزراعية، كموسم الحويرنة –مثلًا- بالضفة شتاءً، والمسخن في موسم قطف الزيتون".
مذاق يروج هوية
وتلفت النظر إلى أنّ كل مَنْ يزور فلسطين يحب الأكل الفلسطيني ويستمتع بمذاقه، والأجانب في كل دول العالم يحبون الأكل الفلسطيني ويقبلون عليه، عادّةً طهيه ترويجًا سهلًا وبسيطًا للتراث الفلسطيني في العالم، وتقريبًا للناس من القضية الفلسطينية.
وتُقسّم أبو حمدية المطبخ الفلسطيني إلى ثلاث مناطق: أولاها منطقة الجليل، ويشبه هذا المطبخ كثيرًا المطبخين السوري واللبناني، ويشتهر بأطباق الكبة والتبولة وورق العنب والمجدرة والمشاوي بأنواعها.
والمنطقة الثانية هي الضفة الغربية، التي تُروّج فيها أطباقًا تُميّز كلّ مدينة من غيرها، إذ تُعرف جنين بـ"المسخن"، ونابلس بـ"العكوب"، والخليل بـ"القدرة الخليلية"، والقدس بـ"مقلوبة الباذنجان باللحم الضاني"، وأريحا بالملوخية، في حين يُعد "المنسف" من الأطباق التقليدية التي ترتبط بالمناسبات العائلية والأفراح في وسط الضفة والنقب.
وتشتهر ثالث تلك المناطق: قطاع غزة ومدن الساحل الفلسطيني (عكا، وحيفا، ويافا، واللد، والرملة) بالأطباق البحرية، وفي فلسطين يقال: "من لم يأكل من أسماك غزة فإنه لم يأكل سمكًا طيلة حياته".
ويُقال إنه من شدة حب أهل غزة لأكل الفلفل الحار صنعوا "الدقة الغزاوية"، وتتكون من الكثير من الفلفل الأخضر الحار والطماطم والشبت الأخضر (عين جرادة) والبصل والملح وعصير الليمون، وسميت بالدقة لأنها تُدقّ باستخدام المدقة داخل طبق من الفخار.
ويُعد طبق السماقية من أقدم الأكلات الغزية وأشهرها، وقد سُمّي بهذا الاسم بسبب استخدام كميات وفيرة من السماق في إعداده، واشتهر تقديم هذا الطبق خلال المناسبات السعيدة كالحفلات والأفراح، وأول أيام عيدي الفطر والأضحى.
أما "الرُّمانية" فهي أشهر الأكلات الغزية على الإطلاق، وتُطبخ باستخدام كميات وفيرة من عصير الرمان الحامض، وعادة ما تضاف الطحينة الحمراء وعين الجرادة إلى العدس البُني المسلوق المضافة إليه قطع من الباذنجان والكمون.