فلسطين أون لاين

التطريز الفلسطيني قبل النكبة

نقشت النساء الأقمشة بالحرير والذهب والفضة.. والقُطَب لغة صامتة

...
صورة أرشيفية
غزة/ محمد الدلو:

مرّت غُرز التطريز وأنماطه ومواضيعه وألوانه وتنسيقاته بتغيّرات عدّة عبر الزمان والمكان، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر حتى أربعينات القرن العشرين كان التطريز الفلسطيني باستخدام خيوط الحرير والذهب والفضة على أقمشة محلية منسوجة يدويًّا.

في أثواب القرن التاسع عشر كانت الأقمشة القطنية والصوفية تنتَج محليًّا في المجدل وغزة والناصرة وبيت لحم وبيت جالا، وأخرى تستورد من مصر وسوريا وبريطانيا كالكتّان والحرير، وقد استخدمت الأصباغ الطبيعية لتلوين الأقمشة والخيوط، فكانت النيلة، تستخدَم لاستخلاص اللون الأزرق الغامق. أما اللون الأحمر فكان مصدره الأصباغ المستخرَجة من النباتات المحلية مثل الفوّة الصبغية، والحشرات مثل دودة القز ودودة القرمز، كما تشير الباحثتان تانيا صافي ووداد قعوار في دراستهما "التطريز الفلسطيني: غرزة الفلاحي التقليدية".

وقد اعتمدت تصاميم تلك الحقبة على الأشكال الهندسية المجرّدة، مثل متوازي الأضلاع والنجمة الثمانيّة والمربعات، والأشكال المنمّقة المستوحاة من النباتات والحيوانات المحلية، مثل السرو والنخيل والعلّيق.

تحولات النسيج

وفي حقبة الاحتلال البريطاني تراجع الإنتاج الفلسطيني من الأقمشة والخيط في إثر التحولات للجوء إلى استيراد أنواع مختلفة من الأقمشة الأوروبية الأجود، المصنوعة من القطن والحرير والمخمل على نطاق واسع.

وتوضح الدراسة أن نعومة القماش المستورَد دفعت النساء إلى استخدام "الكنفا" ذات الفتحات العريضة التي توضع فوق القماش لتيسير عملية التطريز، خصوصًا في تطريز الأنماط ذات الغرزة المصلَّبة (القطبة الفلاحية)، الأوسع استخدامًا والأكثر ارتباطًا بفلسطين.

في العشرينات دخلت خيوط القطن الدقيقة الغزل السوق الفلسطيني، وسرعان ما أصبحت أكثر شعبية من خيط الحرير السوري، كما تشير معطيات المسرد الزمني الفلسطيني الذي تديره مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وقد أدخلت هذه الخيوط ألوانًا جديدة على التطريز الفلسطيني السائد، وشاع استخدام الأشكال والمجسّمات الأكثر تعقيدًا في الغرزة المصلَّبة خلال هذه الحقبة، مثل الجِرار والأشكال البشرية والطيور.

اختلافات بصرية

تجلّت الاختلافات ما بين المناطق في الأثواب المطرّزة التي تلبسها النساء القرويات والبدويّات في نوع التطريز ومواضيعه، وتنسيق هذه المواضيع وموقعها على الثوب، وألوان خيوط التطريز والأقمشة وطراز الثوب.

وتبعًا لمعطيات المسرد الزمني الفلسطيني؛ كانت الاختلافات في الشكل والزخارف مؤشّرات بصرية للدلالة على البلدة الأصلية لصاحبة الثوب، أو ثروتها، أو وضعها الاجتماعي، وقد تغيّرت الأنماط على مدار الزمن، وتدل بعض الأثواب المتبقّية من تلك الحقبة على تقليد مواضيع التطريز ما بين المناطق، نظرًا إلى وجود فرص كثيرة لاختلاط النساء من القرى المختلفة في أيام التسوّق والأعياد.

في حين كانت مناطق بيت لحم والخليل معروفة باستخدام التطريز "التحريري"، وهو تقنيّة تسمح بتشكيل نماذج متعرّجة بخيوط القصب على شكل نباتات وأشكال تصويرية أخرى.

ومن الغرز المستخدمة أيضًا التشريم والترقيع، وهي إضافة الأقمشة على القماش الأصلي باستخدام التافتا الحريرية، خصوصًا في مناطق الجليل والخليل ونابلس، ويستند المسرد في توثيقه الغرز إلى كتاب "سبع عشرة غرزة تطريز من فلسطين"، مبينًا أن حياكة الإبرة عرفت بها مدينة الخليل، أما القيطان (وهو نسيج من الحرير أو القطن أو غيرهما يُبرَم فيكون كالحبل الدقيق) فعرفت به مدينة الجليل.

ويذكر المسرد أن الأثواب من بدايات القرن العشرين تقدم أدلة على استخدام غرز السلسلة، والساتان، والبطانية، وعظم السمكة، والعروة، وغيرها من الغرز.

أما أثواب سيدات قرى نابلس وطولكرم فكانت استثنائية بافتقارها للتطريز، واقتصارها على استخدام القماش القطني أو الكتّان الأبيض، المزيَّن غالبًا بالشرائط الملوّنة على طول الثوب فحسب.

الأكثر دقة وتعقيدًا

ويشير المسرد إلى أن أكثر أشكال التطريز دقّة وتعقيدًا وجدت في وسط فلسطين، خصوصًا في بيت لحم والخليل ورام الله، وغالبًا ما كانت الأثواب، وأغطية الرأس، والقبعات، والسترات في هذه المناطق مغطاة بالتطريز الجميل الغني بمختلف أنواع الغرز، مع الاعتماد على الغرزة المصلَّبة في المقام الأول.

وكانت بيت لحم تشتهر بقطبة التحريري، التي غالبًا ما كانت تُستخدم فيها خيوط الذهب أو الفضة لتزيين الأثواب والسترات المخملية بزخارف غنية بأشكال نباتية أو بتصاميم على شكل حليّ.

وجرت العادة في وسط فلسطين أن تغطّي النساء الأرامل الغرز الحمراء باللون الأزرق، أو أن يصبغن أجزاء الثوب المغطاة بالتطريز الملوّن باللون الأزرق، وكذلك كان اختيار النساء البدويات في الجنوب لألوان التطريز يعكس حالتهن الاجتماعية؛ فالفتاة غير المتزوجة كانت ترتدي الثوب الأسود التقليدي المغطّى بالتطريز الأزرق، ولا ترتدي الأثواب المزيّنة بالتطريز الأحمر إلا بعد الزواج.