تحتاج المناطق الحدودية أو المقيدة الوصول في شمال وجنوب قطاع غزة إلى منهج زراعي تنموي لتعزيز الأمن الغذائي، يعتمد على تكثيف تقنيات الإنتاج الصغيرة وأنظمة الزراعة بطريقة مستدامة اجتماعيًّا، وإعادة استخدام المياه المعالجة والاسترجاعية في الري الزراعي.
كما يحتاج مزارعو تلك المناطق لتفعيل برامج الضغط والمناصرة والعمل على تعويضهم المباشر عن أضرارهم الزراعية وعدم الاقتصار على المساعدات الجزئية، وتفعيل صندوق درء المخاطر الزراعية، وتفعيل صندوق الإقراض الزراعي، والضغط على الاحتلال ومنعه عن الرش المتكرر للمبيدات على أراضي المزارعين وتجريف أراضٍ زراعية، وفتح آفاق تسويقية.
وتشكل مساحة الأراضي الزراعية الواقعة في المناطق الحدودية 86 ألف دونم زراعي، مشكلة نسبة 50% من مجموع المساحة الزراعية وفق دراسة حديثة.
ويعود تاريخ "المنطقة العازلة" أو "مقيدة الوصول" إلى الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاقية المرحلة الانتقالية التي وقعتها السلطة الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي في عام 1995م، والتي نصت على إنشاء منطقة عازلة داخل قطاع غزة لمسافة (50) مترًا من السياج الفاصل.
وفي أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م، وسع الاحتلال عرض المنطقة الفاصلة لتصبح (150) مترًا، غير أن الواقع يؤكد أن عرض المناطق الفاصلة يتراوح بين (400) متر إلى (800) متر، كما أن المزارعين القاطنين في المنطقة يتعرضون لمضايقات الاحتلال بشكل أو بآخر على مسافة (1.5) كم وحتى (2) كم.
وتبرز أهمية الاهتمام بالمناطق الزراعية الحدودية في ظل تراجع القدرة التنافسية للزراعة في القطاع وزيادة هشاشتها وتدهور التربة وتلوثها وتراجع جودة المياه نتيجة المخاطر المرتفعة والاستخدام المفرط للمبيدات واستنزاف الموارد.
ويعد الأمن الغذائي تحديًا كبيرًا نظرًا لافتقاده عند أكثر من 60% من سكان قطاع غزة وذلك نظرًا لارتفاع مستوى الفقر وضعف القدرة الشرائية وصعوبة الوصول إلى الغذاء.
ويؤكد الخبير في الزراعة والتنمية د. نبيل أبو شمالة، على أن المناطق الحدودية تعد سلة غذائية مهمة لقطاع غزة إن أُحسنت الاستفادة منها.
وأوضح أبو شمالة لصحيفة "فلسطين" أن المزارعين في المناطق الحدودية يواجهون مشاكل وتحديات تشكل عائقًا أمام ازدهار وتنمية القطاع الزراعي في المناطق الحدودية جزء منها له علاقة مباشرة بممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وجزء آخر له علاقة بعوامل الانتاج ومشاكل التسويق والتي تتضمن مدخلات الإنتاج الزراعي، ومشكلات وتحديات التسويق، وتوفير مصادر مناسبة للري الزراعي.
ونبه أبو شمالة إلى أن المزارعين يصطدمون بما يعرف بظاهرة ترابط المخاطر في محاولة لإيجاد حلول لكثير من التحديات التي يواجهها المزارعون في المنطقة الحدودية، ويعني ذلك أنه إذا أراد المزارع تخفيف المخاطرة الطبيعية فعليه بالاستثمار، لتظهر له المخاطرة الاقتصادية المتمثلة بتذبذب الأسعار وانخفاضها، والتي إذا أراد تجنبها بمزيد من الاستثمار تظهر له المخاطرة السياسية المتمثلة في احتمال تدمير البنية التحتية من قوات الاحتلال.
وبين أبو شمالة أنه يوجد فرص وإمكانات تتعلق بتطوير المعرفة المحلية نحو زراعة بيئية في المنطقة الحدودية، كإعادة استخدام المياه المعالجة والاسترجاعية في الري الزراعي في المنطقة الحدودية، وإعادة استخدام الحمأة الناتجة من مخلفات محطات معالجة المياه العادمة في صناعة الكمبوست وفي التسميد المباشر.
وأوضح أبو شمالة أن أشكال الزراعة في المناطق الحدودية، تأخذ عدة أنماط، الأول "العائلي الاستهلاكي"، وفيه يمارس المزارعون النشاط الزراعي من أجل تلبية وتغطية احتياجاتهم الغذائية الرئيسة، وخاصة من القمح وبعض الخضراوات، أو لتغذية الماشية لاستخدامها في العمل أو التربية، والثاني "العائلي الفلاحي" يمارس المزارعون النشاط الزراعي للاستهلاك الخاص ويبيعون الفائض لشراء سلع أخرى تخدم احتياجات الأسرة، والثالث "العائلي التسويقي" وهو الأكثر أهمية إذ يستثمر فيه المزارعون الكثير لزيادة دخلهم، ويعتمد على الزراعة المكثفة، ويستخدم الآلات الزراعية والأسمدة والمبيدات.
وأشار أبو شمالة إلى المزارعين يطبقون بعض الممارسات نحو زراعة بيئية آمنة أهمها استخدام البذور البلدية التي ينتجونها بأنفسهم أو يتبادلونها مع أصدقائهم وجيرانهم، واستخدام السماد البلدي، وحرث الأرض بنظام الحراث المحافظ باستخدام المحاريث التقليدية، كما يقوم المزارعون بتركيب الذرة على الخيار والشمام، أو الثوم على التوت الأرضي، ما يقلل بشكل كبير من الآفات.
وحث المؤسسات الأهلية على تنفيذ مشاريع ذات أبعاد تنموية وليست إغاثية، وتوفير التيار الكهربائي ليتمكن المزارعون من ري أراضيهم، وتشديد الرقابة على المزارعين للحد من الإفراط في استخدام المبيدات وصولا إلى إيقاف استخدامه، وتطوير مختبرات وزارة الزراعة والأجهزة التي تستخدم لفحص متبقيات المبيدات.
وأكد أهمية تفعيل أدوار المؤسسات الأهلية ووزارة الزراعة في مساعدة المزارعين في مكافحة الآفات الخطرة مثل سوسة النخيل ومرض سل الزيتون من خلال توفير المصايد، والسعي نحو تخفيض الضرائب على مدخلات الإنتاج.
كما دعا أبو شمالة إلى توفير برامج لتطوير وتحسين البذور البلدية الأصيلة من قبل المؤسسات الأهلية والوزارة وتدريب المزارعين على طرق تحسين البذور، وزراعة البقوليات لاستخدامها كسماد أخضر يزيد من المادة العضوية في التربة.
وأكد أهمية توفير ضمانات لتسويق المنتجات الزراعية، وتوفير ثلاجات لتخزين فوائض الإنتاج إلى حين الندرة، وتوعية المزارعين بضرورة تنويع المحاصيل، مع ضرورة فتح باب التصدير للخارج وفتح أسواق جديدة للمزارعين، مشيرًا إلى ضرورة إنشاء صناعات غذائية قائمة على المنتجات الزراعية لاستيعاب الفائض من الإنتاج المحلي.