الهبة الشعبية والجماهيرية، الواسعة التي تشهدها المدن والقرى الفلسطينية في النقب المحتل هي نتاج تراكم السياسات والاعتداءات العنصرية التي يشنها ويتبعها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، داخل فلسطين المحتلة عام 48، عبر أنظمة وقوانين قمعية، تجيز القتل وهدم المنازل والتهجير، ومحاولة طمس الهوية الوطنية التي تمسك بها هؤلاء منذ سنوات طويلة.
هؤلاء يمثلون الكتلة الأكبر على صعيد الفلسطينيين في الداخل، والذين رفضوا الخروج والهجرة وتمسكوا بأرضهم، وقاوموا كل إجراءات الاحتلال، ونجحوا في التشبث بأرضهم، والتصدي للاحتلال ومستوطنيه.
لقد مثل هؤلاء اليوم نموذج للفلسطيني الذي لا يتزحزح ولا يتنازل قيد أنملة عن ذرة واحدة من وطنه بل إنه يروي الأرض بالدماء ويخضبها. في وجه الاحتلال، من كل الفئات والأعمار، شيوخا عايش نكبة وشبانا حاول الاحتلال طمس هويتهم. لكنهم تمسكوا بعروبتهم وفلسطينيتهم. كتمسكهم بأرضهم، بجبالها وسهول ووديانها. والصدمة التي يواجهها الاحتلال اليوم. فشل الاحتلال فشلا ذريعا في طمس هويتهم، أو انتزاعهم من أرضهم. وإن كل قرارات التضييق وسياسات الإبعاد والإهمال والاعتقال لم تنجح بل تحولت إلى عامل مشجع لهم، للتصدي للاحتلال.
هذه الهبة هي مقدمة لثورة يقودها هؤلاء الشبان من الجيل الفلسطيني الجديد الذي يستلهم من المقاومة سبيلا لمواجهة الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية التي كانت على مدار السنوات السبعين الماضية.
عبر مشاريع استيطانية متعددة وفي سنوات متباعدة ومتقاربة بحيث يمرر هذه السياسات للسيطرة على منطقة النقب التي تمثل أكبر مساحة في فلسطين، وتضم مدنًا وقرى رئيسة يغلب عليها الفلسطينيون البدو الذين تمسكوا بأرضهم ووطنهم وتاريخهم ونضالهم وتراثهم.
إن الاحتلال الإسرائيلي يعيش اليوم حالة غير مسبوقة، من المقاومة في غزة والضفة وفلسطين المحتلة 48 من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، إلى جانب أن هؤلاء الذين يقاومونه اليوم هم ذاتهم الذين اعتقد الاحتلال أنه طمس هويتهم مقابل امتيازات هنا أو هناك. وعبر مشاريع خادعة ثبت أنها كانت سراب.
ما يحدث حاليًّا وخاصة بعد معركة سيف القدس هو تحول حقيقي اعترف الاحتلال أنه لم يكن يتوقعها، خاصة في مناطق كان يعتقد أنها ستبقى معزولة عن سياق الأحداث كما حدث في اللد والرملة ويافا وعكا ورهط وشقيب السلام وبئر السبع وكل ذلك.
من المتوقع أن هذه الهبة لن تتوقف عند أحداثها الجارية، بل يمكن أن تتدحرج لتشمل مدنًا وقرى أخرى. ليس فقط تصديًا لهجمات المستوطنين وسلطات الاحتلال بل لطردهم عن المدن الفلسطينية وإبعاد التجمعات اليهودية الصهيونية عن قراهم ومدنهم، وإنهاء الحلم الإسرائيلي بصهينة النقب. ليبقى النقب فلسطينيًّا عربيًّا خالصًا بأهله ومواطنيه.