فلسطين أون لاين

من يوقف الفساد المُستشري في السلك الدبلوماسي الفلسطيني؟

 

أثار تعيين سلام الزواوي سفيرة للسلطة الفلسطينية في إيران خلفًا لوالدها صلاح الزواوي الذي شغل منصب السفير الفلسطيني في طهران طوال الأربعة عقود الماضية، والذي يُلقَّب بـ"شيخ السفراء" نظرًا لطول مدة تبوئه هذا المنصب، حيث شغل منصب سفير فلسطيني على مدار "54" عام متتالية، تنقّل خلالها في سفارات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية في الجزائر والبرازيل وكينيا، قبل أن يتقلّد منصب السفير الفلسطيني في إيران منذ العام 1981، وهو ينحدر من مدينة "صفد" مسقط رأس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ما يشير إلى علاقة شخصية بين الرجلين، ويفسّر أحد أسباب احتفاظ الزواوي بهذا المنصب دون منافس طوال فترة تبوؤ عباس منصب رئاسة السلطة الفلسطينية التي جاوزت سبعة عشر سنةً.

اللافت في إجراءات تعيين ابنة السفير أنها جاءت في ذات اليوم الذي غادر فيه والدها هذا المنصب في إشارة إلى التعامل مع المناسب الدبلوماسية الفلسطينية وكأنها ملكية خاصة تُوَرَّث من الآباء إلى الأبناء بعيدًا عن نصوص قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني الذي نَظَم آليات التعيين والترقيات في السلك الدبلوماسي، فبحسب نص المادة"17"  من قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني "يكون الحد الأقصى للعمل الدبلوماسي في دولة واحدة أربع سنوات، ويجوز بقرار من الوزير بناءً على مقتضيات المصلحة العامة تمديد مدة عمل موظفي السلك لسنة واحدة فقط في الدولة ذاتها"، في حين أن المادة "18" من القانون نصت على أن "المدة القصوى للعمل المتواصل لموظف السلك في الخارج يجب أن لا يزيد عن عشر سنوات"، ما يعني عمليًّا بأن استمرار الزواوي في هذا المنصب طوال العقود الماضية هو مخالفة صريحة للقانون الفلسطيني.

تعيين السفيرة الزواوي خلفًا لوالدها والتي أثارت غضب الشارع الفلسطيني، تُبرِز من جديد الفساد المُستشري في السلك الدبلوماسي الفلسطيني، والسفارات والبعثات الفلسطينية خارج فلسطين المحتلة والتي يبلغ عددها "101" سفارة وقنصلية وبعثة دبلوماسية بحسب موقع وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، ومن أمثلتها ما ذكرته ورقة حقائق أصدرتها مؤسسة ائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" في ابريل 2016م تحت عنوان "التعيينات والترقيات في الوظائف الدبلوماسية"، والتي تناولت بالتفصيل التعيينات والترقيات في السلك الدبلوماسي الفلسطيني خلال سنوات "2010-2015م"، وتوصّلت إلى نتائج بوجود مخالفات للقانون في تعيينات وترقيات عدد من السفراء والدبلوماسيين الفلسطينيين، وأن بعضها تمّت لصالح أقارب بعض المتنفذين في قيادة السلطة الفلسطينية، وأنها تحمل شبهات تضارب المصالح، ومن أمثلتها تعيين "رؤوف المالكي" سفيرًا للسلطة الفلسطينية في كولومبيا بشكل مُخالف للقانون، علمًا بأنه شقيق رياض المالكي وزير الخارجية والمغتربين، وأن بعض التعيينات، إضافة إلى أن بعض التعيينات الدبلوماسية لا يعمل أصحابها بالسلك الدبلوماسي أساسًا ما يشير إلى استغلال واضح لميّزات وحقوق العمل الدبلوماسي لمن تم تعيينهم دون وجه حق.

وبحسب ورقة عمل أخرى تم تقديمها خلال المؤتمر السنوي لمؤسسة "أمان" في رام الله في أغسطس الماضي تحت عنوان "التجربـة الفلسـطينية فـي نزاهـة الحكـم ومكافحـة الفسـاد السياسـي"، ذكرت مخالفات جسيمة لقانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني، ومنها تجاوُز "50" رئيس بعثة دبلوماسية/ سفير مدة وجودهم في نفس الدولة خمس سنوات ما يُعتبر مخالفة واضحة لأحكام قانون السلك الدبلوماسي التي حددت الحد الأقصى للعمل الدبلوماسي في دولة واحدة أربع سنوات، مع إمكانية تجديد هذه المدة من قبل الوزير سنة واحدة، كما أظهرت المعلومات التي رصدتها مؤسسة "أمان" وجود "14" رئيس بعثة دبلوماسي/ سفير تجاوز مدة "10" سنوات متواصلة في الخارج، في مخالفة لأحكام المادة "18" من قانون السلك الدبلوماسي، بهدف استمرار السيطرة على مراكز القرار وضمان عدم معارضة للحكم، ما يشير إلى عدم وجود رقابة حقيقية على عمليات التعيين والترقيات في السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج.

المثير أن المخالفات للقانون وشبهات الفساد وتضارب المصالح لا زالت متواصلة إلى يومنا هذا، ففي ديسمبر الماضي صادق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على تعيين عدد من السفراء الجدد، من بينهم القائد السابق لجهاز الشرطة في رام الله حازم عطا الله سفيرًا في بلغاريا، ورولا ابنة القيادي في حركة فتح جمال محيسن سفيرةً في السويد، ما يؤكد بأن التعيينـات والترقيـات في السـلك الدبلوماسـي ما زالت تتم دون الالتزام بمبدأ تكافـؤ الفـرص، أو المنافسة النزيهـة والشـفافة ودون وجـود جهة رسـمية محايدة، للتأكد من استيفاء المعايير المهنية المطلوبة لتلك الوظائف، وبما يترك غُصّة في نفوس النخب الفلسطينية المثقفة التي تشعر بحرمانها من حقوقها بالتنافس بنزاهة وعدالة وشفافية  للعمل في السلك الدبلوماسي الفلسطيني.

شبهات الفساد السابقة تعيد إلى أذهاننا الأزمات التي برزت خلال عدوان الاحتلال على غزة في مايو 2021م، ومنها فضيحة السفير الفلسطيني السابق في إسبانيا "كفاح عودة" والذي تبين خلال مقابلة تلفزيونية على الهواء مباشرة عدم إتقانه للغة الإسبانية رغم توليه منصب السفير لمدة تزيد عن خمسة عشر عامًا، وكذلك فضيحة السفير الفلسطيني لدى باكستان الذي تبيّن خلال مقابلة تلفزيونية أجراها في مايو الماضي خلال العدوان على غزة أنه لا يجيد التحدث باللغة الانجليزية بشكل سليم، إضافة إلى حديثه بمعلومات مغلوطة عن غزة، في دلالة على عدم مواكبته للأحداث داخل فلسطين، في شواهد على ضعف السفراء الفلسطينيين وافتقادهم للقدرة على دعم القضية الفلسطينية ومواجهة رواية الاحتلال أمام المجتمعات والحكومات الغربية.

ضعف البعثات الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج أشارت إليه المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد" في تقرير نشرته في يونية الماضي حول أداء تلك البعثات الدبلوماسية خلال العدوان على القدس وغزة"، والتي أمدت فيه أن أداء البعثات الدبلوماسية الفلسطينية كان متعثّرًا، واتّسم بضعف الكفاءة، وغياب آليات المحاسبة، إضافة إلى غياب الشفافية في اختيار السفراء والعاملين في البعثات الدبلوماسية المنتشرة حول العالم. 

ختامًا فإن الدور المهم للسفارات الفلسطينية في الخارج في لدعم القضية والرواية الفلسطينية، يدفعنا للمطالبة بأن تكون التعيينات والترقيات في السلك الدبلوماسي وفق الكفاءة، والمعايير المهنية، وبما لا يخالف القانون الفلسطيني، فاستمرار الفساد في التعيين والترقية في البعثات الفلسطينية يعني استمرار حالة الضعف التي تستشري بين أركان خارجية السلطة الفلسطينية، والتي من أهم أسبابها استمرار محمود عباس وقيادة السلطة بالتفرّد في القرار الفلسطيني، ورفضهم الشراكة الحقيقية مع النخب والقوى الفلسطينية الفاعلة في الشارع الفلسطينية، وإحجامهم عن استثمار الطاقات الكامنة في الجيل الفلسطيني خوفًا من انكشاف حالة الضعف التي تعتري المنظومة الرسمية الفلسطينية التي يمثلها فريق أوسلو.