يلجأ البعض إلى انتهاج أسلوب العقاب بالصمت، برفض التواصل مع الآخر لفظيًا في العديد من العلاقات أو الخلافات الزوجية، أو الآباء مع أبنائهم، أو حتى بين الأصدقاء، إذ يعد هذا نوعا من التجاهل الذي يشعر الشخص المقابل بأنه غير مرئي، فهل يعد أداة ابتزاز وإساءة عاطفية قد تؤدي إلى مخاطر نفسية؟
تصف إسراء أبو موسى هذا الأسلوب في العلاقات الشخصية بأنه "مستفز، ينتهجه بعض المقربين منها في التعامل مع المشكلات التي تنشب بينهما، مشيرة إلى أن استخدامه وقت المشكلة يتسبب بزيادة انفعالاتها العصبية لأعلى الدرجات، "ولا أعرف كيف أتصرف وأتعامل مع الشخص الآخر، وأتمنى حينها لو ألتهمه بأسناني من شدة استفزازي منه".
وتشير أبو موسى (33 عامًا) إلى أن البعض قد ينتهجه بدعوى عدم تكبير المشكلة واختصارها، لكن بعض التصرفات تجعله "سلوك ابتزاز يلعب فيه الطرف الآخر على الوتر الحساس ويستخدمه للسيطرة على الطرف الأول والتلاعب بالمشاعر والتحكم بها".
في حين يلجأ فادي عثمان إلى الصمت في الخلافات بعد عثرات وقع بها عند نشوب مشكلات مع أصدقائه وعائلته، مبينًا أن حدة النقاش تعمق الخلاف "وبدلًا من أن يكون الحق معي يصبح ضدي".
ويقول عثمان (35 عامًا) إنه ليس من السهل التزام الصمت وقت الخلافات خاصة في حالات الإساءة اللفظية والجسدية، معتقدًا أن اللجوء للصمت "خيار جيد وليس عقابًا" لتهدئة الخلاف والتواصل بعد أن يهدأ الجميع.
ويتقاطع ذلك مع ما ذكره موقع "فيري وِل مايند"، بأن هناك أوقاتًا في العلاقات يكون فيها الصمت حتميًا وصحيًا، بل ومُنتجًا، على سبيل المثال، قد يأخذ الزوجان -أو أحدهما- وقتًا مستقطعًا بعد جدال ساخن، من أجل الحصول على بعض الهدوء وتجميع الأفكار، وهو ما تؤكده الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة.
وتوضح السعايدة لصحيفة "فلسطين" أن الصمت مرهون بوقت اللجوء إليه وأطراف الخصام؟ وماذا يترتب عليه؟ "فهو أحد الفنيات المستخدمة في التواصل مع الآخرين، ويكون أحيانًا ضرورة حتمية لتجنب خلافات كبيرة بين الأزواج أو الوالدين والأبناء".
وتذكر أن في مواضع أخرى قد يفهم منه أنه أسلوب تجاهل وتقليل من احترام الشخص باعتباره غير موجود، "وهنا يتحول الصمت لأحد أساليب الابتزاز العاطفي والإيذاء النفسي، حين يلجأ إليه البعض عندما يكون التحدث ضرورة ملحة لإطفاء غضب الشخص المقابل، منتظرًا سماع أي كلمة أو رد".
وفي حين تنبه السعايدة إلى الشخص المستخدم بحقه الصمت قد يلحق به أذى مادي أو معنوي، "والثاني أكثر إيلامًا، يحدث ندوبًا في القلب بسبب الحرمان من حق التواصل ويقود لتدهور العلاقات الاجتماعية"، فإنها تقول إن اللجوء إلى الصمت لا يمكن لأي إنسان أن يجيده حتى لو كان عقابًا، "فهو نتاج صقل سمات شخصية وخبرات حياتية، ربما يلجأ إليها لتجنب ردود فعل متهورة".
تجنب المواجهة
وتشير إلى أن استخدام العقاب بالصمت قد يرتبط بضعف الشخصية وعدم المقدرة على المواجهة والتواصل.
وتعد فئة الأطفال من الأكثر الفئات التي تتأثر بأسلوب العقاب بالصمت، وله آثار وخيمة عليهم، إذ تبين السعايدة أن الطفل يفقد الثقة والأمان بالوالدين، ويتدنى تقدير الطفل لذاته فيضطر للبحث عن مصدر بديل للأمان العاطفي، وقد تختلف معايير حكمه على بعض الأمور، ويوقعه على المدى البعيد للابتزاز العاطفي، ويصبح غير متزن عاطفيًا.
وتضيف أن هذا الأسلوب يتحول بمرور الوقت إلى سلسلة في التعامل، فإذا استخدم بين الزوجين، سينقله أحدهما إلى الأبناء ومنهما إلى الأقران وعلاقات العمل وغير ذلك.
ووفقًا لدراسة أخرى أجريت عام 2012، نشرت في مجلة "إيه بي إيه سايك نت" المتخصصة بعلم النفس، فإن الأشخاص الذين يشعرون بالتجاهل بانتظام وبوتيرة مستمرة في علاقاتهم، يتدنى لديهم احترام الذات والانتماء والإحساس بالمعنى في حياتهم.
وتشدد السعايدة على ضرورة قطع السلسلة حيال هذا الأسلوب، والتفاهم وتحقيق التواصل بين الأفراد باختيار الوقت والمكان المناسب للحديث والصمت، وعدم إظهار الخلافات أمام الآخرين والانخراط في بعض الهوايات كالقراءة، واختيار وسيط من أهل الثقة للحكم في الخلافات الكبيرة.
وتنصح بأن يكون للشخص قدر كافٍ من العلاقات الاجتماعية ليقلل من تأثير هذا النوع من العقاب النفسي، على أن يتم تقييدها بحدود وخطوط حمراء يمنع تجاوزها.